أن يكون المقنِّن عارفاً بالإنسان : جسمه وروحه ، غرائزه وفطريّاته ، وما يصلح لهذه الأُمور أو يضرّ بها ، وكلّما تكاملت هذه المعرفة بالإنسان كان القانون ناجحاً وناجعاً في علاج مشاكله وإبلاغه إلى السعادة المتوخّاة من خلقه.
الثاني : عدم انتفاع المقنِّن بالقانون ؛ وهذا الشرط بديهي ، فإنَّ المقنِّن إذا كان منتفعاً من القانون الّذي يضعه ، سواء كان النفع عائداً إليه أو إلى من يمت إليه بصلة خاصّة ، فهذا القانون سيتمّ لصالح المقنِّن لا لصالح المجتمع ، ونتيجته الحتميّة الظلم والإجحاف.
فالقانون الكامل لا يتحقّق إلّا إذا كان واضعه مجرّداً عن حبّ الذّات وهوى الانتفاع الشّخصي.
أمّا الشرط الأوّل : فإنّا لن نجد في صفحة الوجود موجوداً أعرف بالإنسان من خالقه ، فإنّ صانع المصنوع أعرف به من غيره ، يقول سبحانه :
﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (١).
إنّ عظمة الإنسان في روحه ومعنوياته ، وغرائزه وفطرياته ، أشبه ببحر كبير لا يرى ساحله ولا يضاء محيطه ، وقد خفيت كثير من جوانب حياته ورموز وجوده حتى لقِّب ب «الموجود المجهول».
وأمّا الشرط الثاني : فلن نجد أيضاً موجوداً مجرداً عن أيّ فقر وحاجة وانتفاع سواه سبحانه.
__________________
(١) الملك : ١٤.