٣. هل يجوز العفو عن المسيء؟

والجواب مثبت ، لأنّ التعذيب حقّ للمولى سبحانه وله إسقاط حقّه ، فيجوز ذلك إذا اقتضته الحكمة الإلهيّة ولم يكن هناك مانع عنه.

وقد خالف معتزلة بغداد في ذلك ، فلم يجوّزوا العفو عن العصاة عقلاً ، واستدلّوا عليه بوجهين :

الأوّل : «إنّ المكلّف متى علم أنّه يفعل به ما يستحقّه من العقوبة على كلّ وجه ، كان أقرب إلى أداء الواجبات واجتناب الكبائر». (١)

يلاحظ عليه : أنّه لو تمّ لوجب سدّ باب التوبة ، لإمكان أن يقال إنّ المكلّف متى علم أنّه لا تقبل توبته كان أقرب إلى الطاعة وأبعد من المعصية.

أضف إلى ذلك أنّ للرجاء آثاراً بنّاءة في حياة الإنسان ، ولليأس آثاراً سلبية في الإدامة على الموبقات ، ولأجل ذلك جاء الذكر الحكيم بالترغيب والترهيب معاً.

ثمّ إنّ الكلام في جواز العفو لا في حتميته ، والأثر السّلبي ـ لو سلّمناه ـ يترتّب على الثاني دون الأوّل.

الثاني : إنّ الله أوعد مرتكب الكبيرة بالعقاب ، فلو لم يعاقب ، للزم الخلف في وعيده والكذب في خبره وهما محالان. (٢)

__________________

(١) شرح الأُصول الخمسة : ٦٤٦.

(٢) شرح العقائد العضدية ، لجلال الدين الدواني : ٢ / ١٩٤.

۵۲۸۱