والجواب عنه : أنّا نختار الشقّ الأوّل من الاستدلال ولكن لا بمعنى المعرفة التفصيلية حتى يكون تحصيلاً للحاصل ، بل المعرفة الإجمالية الباعثة على تحصيل التفصيلية منها.

توضيح ذلك : أنّ التكليف بمعرفة الله تعالى تكليف عقلي ، يكفي فيه التوجّه الإجمالي إلى أنّ هناك منعماً يجب معرفته ومعرفة أسمائه وصفاته شكراً لنعمائه ، أو دفعاً للضرر المحتمل.

٥. لا يوجد الشيء إلّا بالوجوب السابق عليه

قد ثبت في الفلسفة الأُولى أنّ الموجود الممكن ما لم يجب وجوده من جانب علّته لم يتعيّن وجوده ولم يوجد ، وذلك : لأنّ الممكن في ذاته لا يقتضي الوجود ولا العدم ، فلا مناص لخروجه من ذلك إلى مستوى الوجود من عامل خارجي يقتضي وجوده ، ثمّ ما يقتضي وجوده إمّا أن يقتضي وجوبه أيضاً أو لا؟ فعلى الأوّل وجب وجوده ، وعلى الثاني ، بما أنّ بقاءه على العدم لا يكون ممتنعاً بعدُ ، فيسأل : لما ذا اتّصف بالوجود دون العدم؟ وهذا السؤال لا ينقطع إلّا بصيرورة وجود الممكن واجباً وبقائه على العدم محالاً ، وهذا معنى قولهم : «إنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد».

هذا برهان القاعدة ، ورتّب عليها القول بالجبر ، لأنّ فعل العبد ممكن فلا يصدر منه إلّا بعد اتّصافه بالوجوب ، والوجوب ينافي الاختيار.

والجواب عنه : أنّ القاعدة لا تعطي أزيد من أنّ المعلول إنّما يتحقّق بالإيجاب المتقدّم على وجوده ، ولكن هل الإيجاب المذكور جاء من

۵۲۸۱