بالمتناقضين ، واستحالة ذلك من القرائن المتّصلة بالكلام ، لأنها من الأُمور البديهية التي يعرفها كل عاقل ، لأنه إذا التفت يرى عدم إمكان التعبد بأمرين يستحيل اجتماعهما ، فعدم شمول أدلّة الاستصحاب لهذين الاستصحابين إنما هو من جهة المانع الداخلي وغير مستند إلى العلم الإجمالي بوجه ، لأنه سواء كان أم لم يكن لا يتردد العاقل في استحالة التعبد بالمتناقضين ، وقد عرف أن المانع إذا كان من قبيل القرائن المتّصلة فهو يمنع عن أصل انعقاد ظهور الدليل في شموله لمورده.

وأمّا عدم جريانه في استصحابي بقاء الطّهارة إلى زمان الفراغ عن الصلاة الأُولى والثانية فهو من جهة القرينة الخارجية ، وهي العلم الإجمالي بانتقاض أحد اليقينين إلاّ أن مانعية العلم الإجمالي عن جريان الأُصول في أطرافه ليست من الأُمور البديهية وإنما هي أمر نظري ، ومن هنا جوّز جماعة جريان الأُصول في كلا طرفي العلم الإجمالي ، بل تكرّر في كلمات صاحب الكفاية أن مرتبة الحكم الظاهري محفوظة مع العلم الإجمالي (١). ودعوى احتمال مناقضته أي الحكم الظاهري حينئذ مع الحكم الواقعي غير مختصة بأطراف العلم الإجمالي ، لأنها متحققة في جميع الشبهات البدوية وعليه فالمانعية في العلم الإجمالي من قبيل القرائن المنفصلة الخارجية ، وقد عرفت أن المانع المنفصل لا يمنع عن أصل الظهور في الدليل وإنما يمنع عن حجيته ، فإذا كان الأمر كذلك ولم ينعقد لأدلّة حجية الاستصحاب ظهور في شمولها لاستصحابي الحدث والطّهارة إلى زمان الفراغ عن الصلاة الثانية ، والجامع كل شك مسبوق بيقينين متنافيين ، فلا محالة يبقى ظهورها المنعقد في الشمول لمثل استصحاب بقاء الطّهارة إلى زمان الفراغ عن الصلاة الأُولى بلا مزاحم ولا مانع ، لأن مانعه ورافع حجيّته هو العلم الإجمالي وقد عرفت عدم تأثيره في محل الكلام. فلا يقاس المقام بعلمين إجماليين اشتركا في مورد وطرف واحد ، لأن عدم جريان الأصلين فيهما بملاك واحد لا بملاكين كما في المقام وأنحائه.

__________________

(١) كفاية الأُصول : ٣٥٨ ٣٥٩.

۴۴۰