استصحاب الحدث إلى زمان الفراغ عن الصلاة الثانية أيضاً لا مجال لاستصحاب الطّهارة إلى زمان الفراغ عن الصلاة الثانية ، وذلك للعلم الإجمالي بانتقاض أحد الوضوءين ووقوع إحدى الصلاتين مع الحدث ، فاستصحاب بقاء الطّهارة إلى زمان الفراغ عن الثانية معارض باستصحاب بقائها إلى زمان الفراغ عن الصلاة الأُولى.

أذن استصحاب بقاء الطّهارة إلى زمان الفراغ عن الثانية معارض بأصلين أحدهما استصحاب بقاء الحدث إلى ذلك الزمان والآخر استصحاب بقاء الطّهارة إلى زمان الفراغ عن الصلاة الأُولى ، ومعه لا مناص من الحكم بسقوط الجميع ، ولا وجه للحكم بسقوط استصحاب الطّهارة إلى زمان الفراغ عن الصلاة الثانية مع استصحاب بقاء الحدث إلى ذلك الزمان وإبقاء استصحاب الطّهارة إلى زمان الفراغ عن الاولى غير معارض ، فلا بدّ من الحكم بإعادة كلتا الصلاتين.

هكذا قيل ، وهو وإن كان وجيهاً بظاهره إلاّ أنه مما لا يمكن المساعدة عليه. وتوضيح الجواب عن ذلك يتوقف على تمهيد مقدّمة ينبغي أن يؤخر ذكرها إلى فروع العلم الإجمالي ، غير أنا ننبّه عليها في المقام دفعاً للمناقشة ولأجل أنها قد تنفع في غير واحد من المقامات والمسائل. وهي أن المانع عن شمول الدليل لمورد قد يكون من الأُمور الداخلية والقرائن المتّصلة وقد يكون من الأُمور الخارجية والقرائن المنفصلة والأوّل يمنع عن أصل انعقاد الظهور للدليل في شموله لمورده من الابتداء ، وهذا نظير تخصيص العموم بالمخصص المتصل المجمل ، كما إذا خصص العام متصلاً بزيد وتردد زيد الخارج بين ابن بكر وابن عمرو ، فإن العام لا ينعقد له ظهور حينئذ في الشمول لشي‌ء من المحتملين من الابتداء. والثاني إنما يمنع عن حجيّة الظهور بعد انقعاده في الدليل ولا يمنع عن أصل انعقاد الظهور ، فإذا تبيّنت ذلك فنقول :

إن عدم جريان الأُصول في المقام ليس بملاك واحد بل بملاكين ، وذلك لأن عدم جريان الاستصحاب في الحدث والطّهارة إلى زمان الفراغ عن الصلاة الثانية إنما هو من جهة القرينة المانعة المتصلة ، وهي استحالة التعبد بالمتناقضين ، حيث إن هناك شكّاً واحداً وهو مسبوق بيقينين متنافيين ، وإجراء الاستصحاب فيهما يستلزم التعبد‌

۴۴۰