عن نفسه حتى يظن أنه قد فاق العابدين وجاز في عبادته حدّ التقصير ، فيتباعد مني عند ذلك وهو يظن أنه يتقرّب إليّ » الحديث (١).

وهي أيضاً مما لا بأس بسندها ، وقد وردت مؤكدة لأحد التفسيرين الواردين في قوله تعالى ﴿ كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (٢) حيث فسّر تارة بكل جزء من أجزاء الليلة الواحدة ، والمعنى أنه قليل من كل ليلة من الليالي ما يهجعون ويستريحون ، لأنهم يشتغلون في أكثر ساعات الليلة بالعبادة وصلاة الليل ولا ينامون إلاّ قليلاً ، وأُخرى بكل فرد من أفراد الليل بمعنى أنهم في بعض أفراد الليل أي في بعض الليالي ينامون ويهجعون ولا يشغلونها بالعبادة والصلاة. والرواية مؤكدة للتفسير الثاني كما عرفت.

إلاّ أنها كسابقتها في عدم الدلالة على بطلان العبادة بالعجب ، وغاية ما هناك دلالتها على أن العجب من المهلكات والأوصاف القبيحة وقد ينتهي به الأمر إلى أنه يرى نفسه أوّل العابدين ، وبه يناله الحرمان عما يصله لولاه ، وهذا مما لا كلام فيه لما مرّ من أن منشأ العجب الجهل ، وهو قد يبلغ بالإنسان مرتبة يمن بعمله على الله سبحانه حيث لا يرى استحقاقه في العبادة إلاّ بمقدار الإتيان بالفرائض ، ويعتقد أن المستحبات التي يأتي بها كلها زائدة عن حدّ استحقاقه تعالى فيمنّ بها عليه ، بل قد يفضل نفسه على أكثر العباد والمقربين. وقد حكي عن بعضهم أنه كان يفضل نفسه على العباس ( سلام الله عليه ) لجهله ، وحسبان أنه قد أشغل سنه بالعبادة والبحث وأتعب نفسه خمسين سنة أو أقل أو أكثر في سبيل رضا الله سبحانه ، وهو ( سلام الله عليه ) إنما اشتغل بالحرب ساعتين أو أكثر فيفضل نفسه عليه عليه‌السلام ، وبذلك قد يناله الحرمان عن شفاعة الأئمة الأطهار فيتباعد عن الله سبحانه. إلاّ أن العجب يوجب بطلان العبادة فهو مما لا يستفاد من الرواية بوجه.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٩٨ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٢٣ ح ١.

(٢) الذاريات ٥١ : ١٧.

۴۴۰