هنا ورد في بعض الأخبار (١) إنِّي أولى بحسناتك منك.

فالمتحصل : أن المنشأ للعجب إنما هو الجهل ، بل قد يبلغ مرتبة يرى أن الله لا يستحق ما أتى به من العبادة ولذا يمنّ بها عليه ، نعوذ بالله منه ومن أمثاله ، وذلك لأنه لا يعلم بأنعمه ويرى أن نعمته تعالى لا تقضي إلاّ الإتيان بالفرائض فحسب ولم يعط ما يستحق به أكثر من الفرائض ، فيأتي بصلاة الليل ويمن بها على الله ، لاعتقاده عدم استحقاقه تعالى لها ، وأنها تفضل من العبد المسكين في حق الله جلّت عظمته فقد يتعجب عن عدم قضاء حاجته مع أنه أتى بما فوق ما يستحقه الله تعالى على عقيدته ، وهذا يسمّى بالإدلال ، وهو أعظم من المرتبة المتقدمة من العجب. وعن بعض علماء الأخلاق أن العجب نبات حبه الكفر. ولو أبدل الكفر بالجهل لكان أصح. ويؤيد ما ذكرناه ما يأتي من الكلام المحكي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام فانتظره.

الجهة الثالثة : قد اتضح مما ذكرناه في المقام أن العجب من الأوصاف النفسانية الخبيثة كالحسد وغيره من الأوصاف النفسانية التي تترتب عليها أفعال قبيحة ، وهي خارجة عن الأفعال التي تصدر عن المكلفين فلا حكم لها بوجه ، فهي غير محرمة ولا مباحة كالحسد ونحوه ، وما يعقل أن يتعلق به حكم شرعي أحد أمرين :

أحدهما : أن يجب شرعاً إعمال عمل يمنع عن حدوث تلك الصفة في النفس ، وهو التفكّر في عظمة الله ونعمه وفيما يصدر منه من العمل وأنه لا يصدر منه باستقلاله.

وثانيهما : أن يجب إعمال عمل يزيل تلك الصفة على تقدير حصولها في النفس ، كما إذا كبر وبلغ وهو معجب بعمله ، فيجب عليه أن يتفكر فيما ذكرناه حتى يزيل عن نفسه هذه الصفة.

وهذان قابلان للوجوب شرعاً ، إلاّ أن الأخبار الواردة في المقام مما لا يستفاد منه وجوب التفكّر في الشريعة المقدّسة قبل حصول هذه الصفة أو بعده ، ليمنع عن حدوثها أو يزيلها بعد تحققها. ويؤيد ما ذكرناه ما حكي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في‌

__________________

(١) كما في الحديث القدسي ، أُصول الكافي ١ : ١٥٢ / ٦.

۴۴۰