أسرارهم ) عن بعضهم أنه سجد بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر ، ولأجل هذا وذلك اعتقد أن عمله عظيم. وإما من جهة عمله وكونه صادراً منه وأنه عظيم إذا صدر منه دون ما إذا صدر من غيره كما إذا كان ملكاً من الملوك فسجد وتخضع وتذلل ، حيث إن الخضوع من الملك عظيم لأن فعل العظيم عظيم ، فيرى أنه على عظمته يصلّي ويصوم ولا يصلِّي من دونه بمراحل فلذا يعظم عمله ويعتقده عظيماً. هذا كلّه في مفهوم العجب.

وأمّا الجهة الثانية : فالعجب إنما ينشأ عن انضمام أمر صحيح مباح إلى أمر باطل غير صحيح ، لأنه ينشأ عن ملاحظة عمله وعبادته حيث وعد الله سبحانه لها الجنّة والحور والثواب ، وأن فاعلها ولي من أولياء الله سبحانه وأن نوره يظهر لأهل السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض ، إلى غير ذلك من الآثار التي نطقت بها الأخبار والآيات. وهذا في نفسه أمر صحيح مباح ، فإذا انضم إليه الجهل والغفلة عن عظمة الله سبحانه ونعمه فيحصل له العجب ويعظم عمله وعبادته ، لأنه لو كان عالماً بعظمة الله جلّت آلاؤه وبنعمته التي أنعمها عليه ، ليرى أن عبادته هذه لا تسوى ولا تقابل بجزء من ملايين جزء من تلك النعم ، وأنها هي بجنب عظمته تعالى كالعدم.

فإذا زاد عليه علمه بأن العبادة التي تعجبها لم تصدر منه باستقلاله وإنما صدرت عنه بتوفيق الله وإفاضته لم يبق له عجب في عمله بوجه ، ومن هنا نرى أن العبّاد والزهّاد يتخضّعون في عباداتهم بأكثر ممن يتخضع لله غيرهم ، لالتفاتهم إلى صغر عملهم بجنب آلائه وعظمته ، وعلمهم بأن العمل إنما يصدر منهم بإفاضة الله تعالى لا باستقلالهم ومعه لا يرون عملاً يعجب به ، حيث ليست نسبة أعمالهم إلى نعمه تعالى كنسبة ما يبذله الفقير بالإضافة إلى ما يعطيه الملك ، مثلاً يبذل ألف دينار والفقير يعطي باقة من الكراث ، فيقابل ما أعطاه الفقير لما أعطاه الملك بنسبة الواحد أو الأقل إلى ألف أو الأكثر ، حيث يصدر العمل من كل منهما باستقلاله ، وهذا بخلاف عمل العبيد بالإضافة إلى نعمه جلت عظمته ، حيث إن عملهم لا يصدر منهم باستقلالهم حتى يقابل بتلك النعم ولو بنسبة الواحد إلى الملايين وإنما يصدر عنهم بإفاضته ، ومن‌

۴۴۰