اتصاف المقدّمة بالأمر الغيري شرعاً ، كما أن تعدّد المأمور به أو وحدته يبتنيان على ما هو الصحيح من اختصاص الأمر الغيري بالمقدّمة الموصلة ، لأن الحصص حينئذ متعدِّدة فإن الوضوء الموصل إلى الفريضة حصّة منه واجبة بوجوب الفريضة ، والوضوء الموصل إلى النافلة حصّة أُخرى منه مستحبة باستحباب ناشئ من استحباب النافلة أو القراءة أو غيرهما ، فالحصص متعدِّدة كما أن الأمر متعدِّد ، إلاّ أن هذه الحصص قد تجتمع في مورد واحد وتوجد بوجود فأرد ، كما إذا أوصل وضوءه إلى جميع غاياته الواجبة والمستحبة ، وعليه فعدم لزوم التعدّد في الوضوء وكفاية الوضوء مرّة واحدة يكون من باب التداخل لا محالة ، ولعل هذا كله ظاهر ولا كلام فيه ، وإنما الكلام فيما فرعه ورتبه على هذا القول من لزوم تعيين أحد الواجبات أعني المأمور به المتعدِّد فيحكم ببطلانه عند عدم تعيينه مع تعدّده لعدم الترجيح من غير مرجح.

الصحيح عدم اعتبار التعيين حينئذ ، وذلك لما مرّ غير مرّة من أن عبادية الوضوء لم تنشأ عن الأمر الغيري المتعلق به ، لأنا نلتزم بعباديته حتى على القول بعدم وجوب المقدّمة وإنكار الأمر الغيري رأساً ، وإنما عباديته نشأت عن الأمر النفسي المتعلق به وعليه فلو أتى بالوضوء قاصداً به أمره النفسي فقد وقع وضوءه صحيحاً مقرّباً ويصح معه الدخول في غاياته وإن لم يقصد أمره الغيري أصلاً أو قصده على وجه الترديد ، بأن لم يدر أنه يصلّي بعد وضوئه هذا أو يقرأ القرآن أو يزور الإمام عليه‌السلام لأن الترديد حينئذ إنما هو في قصد أمره الغيري ولا ترديد في قصد أمره النفسي ، وقد ذكرنا أن الأمر الغيري لا يعتبر قصده في عبادية الوضوء. ولا يقاس المقام بسائر العبادات النفسية كصلاتي القضاء والأداء حيث يجب تعيين أحدهما في صلاته وإلاّ بطلت صلاته لا محالة ، لأن عباديتها إنما هي من جهة أمرها النفسي فلا مناص من قصد أمرها النفسي في وقوعها صحيحة ، فإما أن يقصد الأمر بالأداء أو الأمر بالقضاء ، وأما في المقام فقد عرفت أنه قصد أمره النفسي ولم يقصد أمره الغيري‌

۴۴۰