أن يكون لها نظر إلى أن الوجوب المرتب عليه نفسي أو غيري ، بل لا نظر لها إلى الحكم أصلاً ، وإنما تدلّ على أن ما هو الموضوع لتلك الأحكام المستفادة من أدلّتها لا من تلك الروايات أي شي‌ء.

على أنا لو سلمنا ظهورها في أن غسل الجنابة واجب نفسي فحالها حال بقيّة الأوامر الواردة في غسل الثياب عن الأبوال أو غيرها من النجاسات ، حيث ورد « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (١) والأوامر الواردة في غسل الحيض والاستحاضة والنفاس وأنها إذا طهرت فلتغتسل ، والأوامر الواردة في الوضوء والتيمم فإنها في حدّ أنفسها ظاهرة في الوجوب النفسي ، ولكن العلم القطعي الخارجي بل الضرورة القائمة على أن الصلاة مشروطة بالطّهارة من الحدث والخبث يوجب انصرافها إلى الأوامر الغيرية الإرشادية إلى شرطية الطّهارة للصلاة ، فالحال في تلك الروايات أيضاً كذلك فتكون منصرفة إلى الوجوب الغيري الإرشادي دون الوجوب النفسي.

وعمدة ما اعتمدوا عليه في هذا المدعى أن غسل الجنابة لو لم يكن واجباً نفسياً للزم جواز تفويت الواجب بالاختيار ، وذلك لأن المكلّف إذا أجنب في ليالي شهر رمضان فإما أن نقول إن غسل الجنابة قبل طلوع الفجر واجب نفسي في حقّه ، وإما أن نقول واجب غيري ، وإمّا أن نقول بعدم وجوبه أصلاً. والأوّل هو المدّعى ، وأما على الآخرين فيلزم المحذور ، وذلك لأنّ الواجب الغيري يستحيل أن يتصف بالوجوب قبل وجوب ذي المقدّمة ، فإن المعلول لا يتقدّم على علّته ، فلو كان الغسل مقدّمة فهو غير واجب قبل الفجر ، فإذا جاز ترك الغسل قبل الفجر لم يجب عليه الصوم غداً لاشتراطه بالطّهارة عند الصبح وقد فرضنا جواز تركها فجاز له تفويت الواجب بالاختيار ، ومعه لا مناص من الالتزام بوجوبه النفسي لئلا يرد هذا المحذور.

والجواب عن ذلك :

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٠٥ / أبواب النجاسات ب ٨ ح ٢ ، ٣.

۴۴۰