وفيه : أن الكراهة المستعملة في لسان الأئمة إنما هي بمعناها اللغوي أعني المبغوض والحرام ، وليست هي بمعنى الكراهة المصطلح عليها عند الفقهاء. ويؤيده أن جملة من المذكورات في الرواية من المحرّمات ، كالتطلّع على الدور والرفث في الصوم في غير اللّيالي والمن بعد الصّدقة لأنه إيذاء.

وعن الصدوق قدس‌سره جواز النوم في المساجد جنباً حيث حكي عنه : لا بأس أن يختضب الجنب ، إلى أن قال : وينام في المسجد ويمرّ فيه (١). ولم نقف على مستنده قدس‌سره ، نعم ورد في صحيحة محمّد بن القاسم قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الجنب ينام في المسجد؟ فقال : يتوضأ ولا بأس أن ينام في المسجد ويمرّ فيه » (٢) إلاّ أن الصدوق لم يقيد حكمه بجواز نوم الجنب في المسجد بما إذا توضأ ، فلو كان اعتمد عليها وحكم بجوازه مع الوضوء لقلنا إن ذلك من تخصيص هذه الصحيحة للآية المباركة وغيرها ممّا دلّ على حرمة مكث الجنب في المسجد ، لأنّ النسبة بينهما عموم مطلق ، حيث إنها مطلقة ، ولا مانع من تخصيصها بما إذا توضأ ونام كما خصّصت بالإضافة إلى المرور ، حيث إنه لو كنا وهذه الصحيحة قدمناها على أدلّة حرمة مكث الجنب في المسجد لأنّ النسبة بينهما عموم مطلق.

ودعوى أن حرمة المكث والدخول مغياة بالاغتسال كما في قوله تعالى : ﴿ حَتَّى

__________________

(١) المقنع : ٤٥.

(٢) الوسائل ٢ : ٢١٠ / أبواب الجنابة ب ١٥ ح ١٨. قد يقال بأن محمّد بن القاسم مشترك بين جماعة وليس كلّهم ثقات ، والمذكور في السند يحتمل الانطباق على غير الثقة أيضاً فلا تكون الرواية صحيحة. والجواب : أن المطلق ينطبق على من يكون قابلاً للانطباق من جهة الطبقة ويكون معروفاً من جهة الرواية أو من جهة أنه صاحب كتاب ، وعلى ذلك فمحمّد بن القاسم هذا مردد بين محمّد بن القاسم بن الفضيل ومحمّد بن القاسم بن المثنى ، وكلاهما ثقتان وثقهما النجاشي [ رجال النجاشي ٣٦٢ : ٩٧٣ ، ٣٧١ ، ١٠١٢ ] بناء على اتحاد محمّد بن القاسم بن المثنى مع محمّد بن المثنى بن القاسم كما استظهره سيِّدنا الأُستاد ( مدّ ظلّه العالي ) أيضاً [ معجم رجال الحديث ١٨ : ١٦٩ / ١١٦٢٨ ] وإن كان من القريب جدّاً أنه هو ابن الفضيل ، لوجود عدّة روايات عنه في الكتب الأربعة دون ابن المثنى فلم ترد عنه ولا رواية واحدة بهذا العنوان.

۴۴۰