الضروريات وممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

إلاّ أن الكلام في موضوعه وأن المحرّم من الرِّياء أي شي‌ء فنقول : إن الرِّياء وإن كان بمفهومه اللغوي يعمّ العبادات وغيرها لأنه بمعنى إتيان العمل بداعي إراءته لغيره إلاّ أنه لا دليل على حرمته في غير العبادات ، فاذا أتى بعمل بداعي أن يعرف الناس كماله وقوّته كما إذا رفع حجراً ثقيلاً ليعرف الناس قوّة بدنه وعضلاته لم يرتكب محرماً بوجه ، وذلك لأنّ المستفاد من الأخبار الواردة في حرمة الرِّياء أن حرمته من جهة أنه شرك وإشراك ، والشرك إنّما يتحقق في العبادات ، وأمّا إذا أتى بعمل لأن يرى الناس كمال صنعه ومعرفته فهو لا يكون مشركاً بالله بوجه ، وكيف كان فلا شك في عدم حرمة الإتيان بالعمل غير العبادي رياء ، نعم لا إشكال في حسن ترك الرِّياء في جميع الأفعال الصادرة من المكلّف حتى في غير العبادات بأن يأتي بجميع أعماله لله ، إلاّ أنه على تقدير تحققه في غير المعصومين قليل غايته ، وإنما المحرّم هو أن يعبد المكلّف الله سبحانه ليريه للناس.

ثمّ إنّ المحرّم إنّما هو الرِّياء في العبادة بما أنّها عبادة ، وأما إذا أتى بالعبادة لله سبحانه إلاّ أنه قصد فيها الرِّياء لا من حيث العبادة بل من جهة أُخرى ، كما إذا أجهر فيها بداعي إعلامه للغير أنه في الدار ، أو قصد ذلك في قيامه في الصلاة ليراه غيره في الدار لئلاّ يتوحّش عن الانفراد ، لأنه أيضاً إتيان للعمل بداعي أن يريه غيره إلاّ أنه ليس رياء في العبادة حقيقة ، وإنما هو رياء في شي‌ء آخر مقارن للعبادة ، فلا إشكال في عدم بطلان العبادة بذلك لأنه لم يشرك في عبادته بل أتى بها خالصاً لوجهه الكريم ، فالرياء المحرّم هو الإتيان بالعبادة بداعي أن يري عبادته للغير.

ثمّ إنّه إذا أتى بالعبادة امتثالاً لأمر الله سبحانه من غير أن يكون لرؤية غيره مدخلية في عبادته ولو بتأكد داعيه إلاّ أنه يعلم أن غيره يرى عبادته وهو يسره فالظاهر صحّة عبادته ، وذلك لفرض عدم مدخلية رؤية الغير في عبادته وإنما محركه نحو العمل هو الامتثال وطاعة ربّه ، ورؤية الغير من الآثار المترتبة على عمله العبادي قهراً من غير أن يكون لها مدخلية فيه ولو بالتأكّد ، كما هو الحال في الصلاة في أماكن‌

۴۴۰