لم يختلفوا في وجوب ردّ المال إلى مالكه فيما إذا كان ردّه موجباً للتضرر المالي في حقه فإذا لم تشمل القاعدة المقام فيكون حال الضرر النفسي كالمالي فلا يمنع عن وجوب ردّ المال المغصوب إلى مالكه.

الجهة الثانية : إذا كانت الجبيرة المغصوبة معدودة من التالف كما هو الغالب ، لأن الخرقة بعد فصلها عن ثوب الغير مثلاً لا مالية لها ، فهل يجوز المسح عليها أو لا بدّ من استرضاء المالك أو نزعها إذا أمكن؟ ذهب الماتن إلى جواز المسح عليها وقال : وعليه العوض لمالكه. وقيل : إن هذه المسألة مبتنية على أن الضمان بالتلف والإتلاف راجع إلى المعاوضة القهرية بين المال التالف والمال المضمون به ، أو أن الضمان محض غرامة ولا رجوع له إلى المعاوضة بوجه. فعلى الأوّل يجوز المسح على الجبيرة المعدودة من التالف ، لأنها بإتلاف الغاصب انتقلت إليه وقد ضمن عوضها بالمعاوضة القهرية ، فليس للمالك المطالبة بالمواد الباقية بعد إتلاف المال لانتقالها إلى ملك المتلف فيجوز له المسح على الجبيرة في المقام ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بالثاني ، لأن الجبيرة حينئذ باقية على ملك مالكها الأوّل فلا يجوز التصرف فيها بالمسح إلاّ برضاه هذا.

والصحيح عدم ابتناء المسألة على ذلك ، وذلك لأن انتقال المال التالف إلى المتلف بإتلافه مما لم يلتزم به أحد فيما نعلمه من أصحابنا ، لوضوح أن الإتلاف ليس من أحد الأسباب الموجبة للانتقال ، فلم يقل أحد بأن الثوب المملوك لأحد إذا أحرقه الغاصب فهو ملك للغاصب بالمعاوضة القهرية فيضمن له قيمته ، أو القطعات المنكسرة في الكوز ملك لمن أتلفه وهكذا.

نعم وقع الخلاف في أنه إذا أغرم المتلف وادي عوض ما أتلفه فهل يكون ذلك معاوضة بين ما أداه وما أتلفه ، فالقطعات المنكسرة للمتلف وهكذا غيرها مما أتلفه وأذهب ماليته وبقي مادته ، أو أن ما أداه غرامة محضة والمواد باقية على ملك مالك المال. وذكرنا في محلِّه أن العقلاء يرون ذلك معاوضة بين المال التالف والغرامة حيث ليس للمالك مال ومادّة ، ولم يكن مالكاً إلاّ لشي‌ء واحد وقد أخذ عوضه وبدله لا أنه كان مالكاً لشيئين أخذ عوض أحدهما وبقي الآخر على ملكه وهما المالية والمواد.

۴۴۰