أبي يعفور من حصره الشك المعتبر بما إذا كان في شي‌ء لم تجزه ، وقد أسلفنا أن ظاهره إرادة الشك في شي‌ء من المركب قبل إتمامه والخروج عنه ، فإذا خرج عنه فلا يعتني بشكه بمقتضى الحصر ، فإن الظاهر أن هذه الجملة لم ترد لبيان حكم جديد وإنما وردت لبيان المراد بالجملة الأُولى المذكورة في صدر الموثقة ، أعني قوله عليه‌السلام : « إذا شككت في شي‌ء من الوضوء وقد دخلت في غيره ... » فالمتحصل منها أن الشك لا يعتبر بعد الخروج عن الاشتغال بالعمل وعدم صدق أنه يتوضأ ، فالموثقة غير منافية لمعتبرة بكير.

وأما ما ورد في صحيحة زرارة من قوله عليه‌السلام : « فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أُخرى في الصلاة أو في غيرها ... » (١) فهو أيضاً كالموثقة غير مناف للمعتبرة ، لأن الظاهر أن تلك الجملة إنما وردت لبيان المفهوم المستفاد من صدر الصحيحة ومعناها أنه ما دام مشتغلاً بالوضوء يعتني بشكّه وإذا صدق أنه شكّ بعد ما يتوضأ تجري فيه قاعدة الفراغ ، فقد ادي معنى واحد بعبارات مختلفة فتارة عبر عنه بالدخول في غيره ، وثانياً بالقيام منه ، وثالثاً بالدخول في صلاة ونحوها. والجامع أن يدخل في حالة اخرى غير حالة الاشتغال بالوضوء ، لأنه المحقق لصدق عنوان الشك بعد ما يتوضأ ، فلا تنافي بين الأخبار.

الصورة الثالثة :

ما إذا شك في صحّة وضوئه وفساده من جهة الشك في أنه أتى بالجزء الأخير أم لم يأت به مع إمكان التدارك وعدم فوات الموالاة. والتحقيق أنه يعتني بالشك حينئذ ولا تجري فيها قاعدة الفراغ ، وذلك لأن جريان القاعدة في هذه الصور يبتني على أحد أُمور ثلاثة :

فإمّا أن يقال بأن اليقين بالفراغ حجّة بحدوثه وإن ارتفع بعد ذلك بالشك وهو‌

__________________

(١) تقدّمت في صدر المسألة ص ١١٢.

۴۴۰