ولا يخفى : أنّه مع استقلاله بذلك (١) لا احتمال لضرر العقوبة في مخالفته (٢) ، فلا يكون مجال هاهنا لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل كي يتوهّم أنّها تكون بيانا. كما أنّه مع احتماله لا حاجة إلى القاعدة ، بل في صورة المصادفة استحقّ العقوبة (٣) على المخالفة ولو قيل بعدم وجوب دفع الضرر المحتمل (٤).

__________________

ـ الواقعيّ ليس مستندا إلى تقصير من المكلّف بعد إعمال وظيفته من الفحص عن الدليل ، بل فواته إمّا أن يكون مستندا إلى أنّ المولى نفسه لم يستوف مراده ببيان يمكن وصول العبد إليه عادة ، وإمّا أن يكون مستندا إلى بعض الأسباب الّتي توجب اختفاء مراد المولى على المكلّف.

الثاني : أنّ حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان لأجل أنّ استحقاق الثواب والعقاب يدوران مدار الإطاعة والعصيان ، وهما يدوران مدار وجود التكليف الواصل إلى المكلّف وعدمه ، ضرورة أنّ المحرّك للعبد نحو عمل أو الزاجر له عنه إنّما هو التكليف الواصل إليه ، لا مجرّد وجوده الواقعيّ. وعليه فلا عصيان مع مخالفة التكليف غير الواصل إليه ، فلا عقوبة أيضا في مخالفته ، فإنّ العقوبة على مخالفته ـ حينئذ ـ عقوبة على ما لا يقتضي محرّكيّة المكلّف نحو مراد المولى ، بل عقاب على ما لا يوجب استحقاق العقوبة ، وهو قبيح عقلا.

الثالث : أنّ حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان لأجل كونه من صغريات الظلم المحكوم بقبحه. بيان ذلك : أنّ مخالفة التكليف الحقيقيّ الّذي قامت عليه الحجّة من أفراد الظلم ، لأنّه خروج من زيّ الرقّيّة ورسم العبوديّة ، وهو ظلم من العبد إلى مولاه ، فيستحقّ منه الذمّ والعقاب. بخلاف ما إذا خالف التكليف الواقعيّ الّذي لم تقم عليه الحجّة ، فإنّه ليس من أفراد الظلم ، إذ ليس زيّ الرقّيّة أن لا يخالف العبد مولاه في الواقع ، فليس مخالفة ما لم تقم الحجّة خروجا من زيّ الرقّيّة حتّى يكون ظلما من العبد إلى مولاه ، بل هو ظلم من المولى إلى عبده ، وهو قبيح من كلّ أحد بالإضافة إلى كلّ أحد ولو من المولى إلى عبده.

ويستفاد الأمران الأوّلان من كلمات المحقّق النائينيّ في فوائد الاصول ٣ : ٢١٥ و ٣٦٥ ـ ٣٦٦ وأجود التقريرات ٢ : ١٧٦. كما أنّ الأمر الثالث يستفاد من كلمات المحقّق الاصفهانيّ في نهاية الدراية ٢ : ٤٦١ ـ ٤٦٢.

(١) أي : مع استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان.

(٢) إذ مع حكم العقل بقبح العقاب مع عدم وصول التكليف إلى المكلّف لا يبقى احتمال الضرر ليجب دفعه بحكم العقل ، بل معه يرفع موضوع حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ، فتكون قاعدة قبح العقاب بلا بيان واردة على قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل.

(٣) والأولى أن يقول : «يستحقّ العقوبة».

(٤) والحاصل : أنّه إذا جرت قاعدة قبح العقاب بلا بيان في مورد فلا تجري قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ، لأنّ موضوع الثانية احتمال الضرر ، والاولى تنفي احتماله ، فيرتفع بها ـ

۴۴۳۱