لا غير (١) ، وسيأتي في مباحث الماهيّة (٢).
فقد تبيّن بما مرّ أنّ الواجب بالذات حقيقة وجوديّة لا ماهيّة لها تحدّها ، هي بذاتها واجبة الوجود ، من دون حاجة إلى انضمام حيثيّة تعليليّة أو تقييديّة (٣) ، وهي الضرورة الأزليّة. وقد تقدّم في المرحلة الاولى (٤) أنّ الوجود حقيقة عينيّة مشكّكة ذات مراتب مختلفة ، كلّ مرتبة من مراتبها تجد الكمال الوجوديّ الّذي لما دونها ، وتقوّمه وتتقوّم بما فوقها ، فاقدة بعض ما له (٥) من الكمال ، وهو (٦) النقص والحاجة ، إلّا المرتبة الّتي هي أعلى المراتب الّتي تجد كلّ كمال ، ولا تفقد شيئا منه ، وتقوّم بها كلّ مرتبة ، ولا تتقوّم بشيء وراء ذاتها (٧).
فتنطبق الحقيقة الواجبيّة على القول بالتشكيك على المرتبة الّتي هي أعلى المراتب ، الّتي ليست وراءها مرتبة تحدّها ، ولا في الوجود كمال تفقده ، ولا في ذاتها نقص أو عدم يشوبها ، ولا حاجة تقيّدها ؛ وما يلزمها من الصفات السلبيّة مرجعها إلى سلب السلب وانتفاء النقص والحاجة ، وهو الإيجاب (٨).
وبذلك (٩) يندفع وجوه من الاعتراض أوردوها (١٠) على القول بنفي الماهيّة
__________________
(١) كما صرّح به المعلّم الثاني ، كذا في شرح الهداية الأثيريّة لصدر المتألّهين : ٢٨٦.
(٢) في الفصل الثالث من المرحلة الخامسة.
(٣) مرّ منّا توضيح أقسام الحيثيّة في تعاليقنا على الفصل الثاني من المرحلة الاولى ، الرقم ٢٨.
وهذا بخلاف الماهيّات الممكنة ، فإنّها تحتاج في عروض الوجوب عليها إلى حيثيّة تقييديّة ، أي الواسطة في العروض ، لأنّ اتّصافها بالأوصاف الوجوديّة يكون بعرض الوجود.
وبخلاف الوجودات الخاصّة الإمكانيّة الّتي تحتاج في ثبوت الوجوب لها إلى حيثيّة تعليليّة ، أي الواسطة في الثبوت.
(٤) راجع الفصل الثالث من المرحلة الاولى.
(٥) أي : ما فوقها.
(٦) أي : فقدان بعض ما لما فوقها من الكمال.
(٧) وفي بعض النسخ : «لا تقوّم بشيء وراء ذاتها» والصحيح ما أثبتناه.
(٨) لأنّ نفي النفي إثبات. فقولنا : «الله تعالى ليس بجاهل» يرجع إلى أنّه عالم ؛ وقولنا : «إنّه ليس بعاجز» يرجع إلى أنّه قادر.
(٩) أي : بما ذكرنا من أنّ الوجود الواجبيّ أعلى مراتب الوجود المشكّكة.
(١٠) والمعترض فخر الدين الرازيّ ، فراجع المباحث المشرقيّة ١ : ٣١ ـ ٣٥. وقال في شرح ـ