تنبيه :

ما مرّ من وجوب الوجود للماهيّة وجوب بالغير سابق على وجودها (١) منتزع عنه (٢). وهناك وجوب آخر لا حق يلحق الماهيّة الموجودة ، ويسمّى : «الضرورة بشرط المحمول». وذلك أنّه لو أمكن للماهيّة المتلبّسة بالوجود ما دامت متلبّسة أن يطرأها العدم الّذي يقابله ويطرده لكان في ذلك إمكان اقتران النقيضين ، وهو محال ، ولازمه استحالة انفكاك الوجود عنها ما دام التلبّس ومن حيثه ، وذلك وجوب الوجود من هذه الحيثيّة. ونظير البيان يجري في الامتناع اللاحق للماهيّة المعدومة. فالماهيّة الموجودة محفوفة بوجوبين ، والماهيّة المعدومة محفوفة بامتناعين.

وليعلم أنّ هذا الوجوب اللاحق وجوب بالغير ، كما أنّ الوجوب السابق كان بالغير ، وذلك لمكان انتزاعه من وجود الماهيّة من حيث اتّصاف الماهيّة به ، كما أنّ الوجوب السابق منتزع منه من حيث انتسابه إلى العلّه الفيّاضة له.

__________________

(١) وقد يقال : ما معنى سبق الوجوب على الوجود ولحوق الوجود له ، وحيثيّة الوجود كاشفة عن حيثيّة الوجوب ، بل عينها ، لأنّ حيثيّة الوجود حيثية الإباء عن العدم؟

وأجاب عنه الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة : ٧٦ بما حاصله : إنّ هذا السبق واللحوق إنّما هو بحسب الترتيب الحاصل بينها في وعاء التحليل العقليّ ، أي إذا لاحظ العقل مفهوم العلّة والوجوب والوجود حكم بسبق العلّة على الإيجاب والوجوب وتقدّم الوجوب على الإيجاد والوجود ، فقولهم : «الشيء ما لم يجب لم يوجد» معناه : ما لم يسند جميع أنحاء عدمه لم يحكم العقل بوجوده ، والسبق بهذا المعنى لا ينافي السبق العينيّ للوجود عليه.

(٢) أي : عن وجود الماهيّة.

ولكن التحقيق : أنّه لا يمكن انتزاع الوجوب السابق على الوجود من الوجود المتأخّر عنه ، بل هو منتزع عن وجود العلّة ، كما يستفاد ذلك من كلام الحكيم السبزواريّ في تعليقته على شرح المنظومة : ٧٦ ؛ وحاصله : أنّ الوجوب السابق هو الخصوصيّة المعتبرة في العلّة ووصف لها بالذات ؛ فإنّ الإيجاب صفة العلّة ، والوجوب السابق للمعلول هو الخصوصيّة الّتي هي عين ذات العلّة ، وهي الّتي تأبى إلّا عن ترتّب وجود المعلول عليها ، وحينئذ فينتزع الوجوب السابق من وجود العلّة.

۲۸۳۱