الفصل الثاني

في أصالة الوجود واعتباريّة الماهيّة

الوجود هو الأصيل دون الماهيّة ، أي أنّه هو الحقيقة العينيّة الّتي نثبتها بالضرورة.

إنّا بعد حسم أصل الشكّ والسفسطة (١) وإثبات الأصيل الّذي هو واقعيّة الأشياء ، أوّل ما نرجع إلى الأشياء ، نجدها مختلفة متمايزة مسلوبا بعضها عن بعض ، في عين أنّها جميعا متّحدة في دفع ما كان يحتمله السوفسطيّ من بطلان الواقعيّة (٢) ، فنجد فيها مثلا إنسانا موجودا ، وفرسا موجودا ، وشجرا موجودا ، وعنصرا موجودا ، وشمسا موجودة ، وهكذا ؛ فلها ماهيّات محمولة عليها ، بها يباين بعضها بعضا ، ووجود محمول عليها مشترك المعنى بينها. والماهيّة غير الوجود (٣) ، لأنّ

__________________

(١) إعلم أنّ الأقوال في مدركات البشر مختلفة :

١ ـ مذهب أهل القطع» Dogmatists «: وهو القول بأنّ مدركاتنا ـ من أنفسنا وما معنا ـ واقعيّات خارجيّة تترتّب عليها آثارها في الخارج.

٢ ـ مذهب الشكّاكين» Scepticists «: وهو القول بأن لا واقعيّة لمدركاتنا أصلا ، بل نشكّ فينا وفي ما بأطرافنا.

٣ ـ مذهب لا أدريّون» Agnosticists «: وهو القول بأنّا لا نعلم هل لنا ولمدركاتنا واقعيّة أم لا؟

٤ ـ مذهب السوفسطائيّين : وهو الاعتقاد بعدم الواقعيّة لنا ولما بأطرافنا.

(٢) أي : إنكار الواقعيّة.

(٣) واستدلّ عليه الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٢٣ ـ ٢٧.

۲۸۳۱