في الخارج ذا آثار خارجيّة ، لها وجود في الذهن لا تترتّب عليها فيه تلك الآثار الخارجيّة ، وإن ترتّبت عليها آثار اخر غير آثارها الخارجيّة الخاصّة (١).
ولو كان هذا الّذي نعقله من الأشياء هو عين ما في الخارج ـ كما يذهب إليه القائل بالإضافة (٢) ـ لم يمكن تعقّل ما ليس في الخارج كالعدم والمعدوم (٣) ، ولم يتحقّق خطأ في علم (٤).
ولو كان الموجود في الذهن شبحا للأمر الخارجيّ نسبته إليه نسبة التمثال إلى ذي التمثال ارتفعت العينيّة من حيث الماهيّة ، ولزمت السفسطة ، لعود علومنا جهالات. على أنّ فعليّة الانتقال من الحاكي إلى المحكيّ تتوقّف على سبق علم بالمحكيّ ، والمفروض توقّف العلم بالمحكيّ على الحكاية (٥).
ولو كان كلّ علم مخطئا في الكشف عمّا وراءه لزمت السفسطة وأدّى إلى المناقضة ، فإنّ كون كلّ علم مخطئا يستوجب أيضا كون هذا العلم بالكلّيّة مخطئا فيكذب ، فيصدق نقيضه وهو كون بعض العلم مصيبا.
فقد تحصّل أنّ للماهيّات وجودا ذهنيّا لا تترتّب عليها فيه الآثار ، كما أنّ لها وجودا خارجيّا تترتّب عليها فيه الآثار. وتبيّن بذلك انقسام الموجود إلى خارجيّ وذهنيّ.
__________________
ـ واحد ، فجميعها موجودة في الذهن.
(١) ككونها كيفا نفسانيّا.
(٢) والقائل بها هو فخر الدين الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٣٣١.
(٣) لأنّ الإضافة قائمة بالطرفين الوجوديّين ـ المضاف والمضاف إليه ـ. ولا يكاد يمكن تحقّقها بين الطرفين العدميّين أو بين الطرفين كان أحدهما وجوديّا والآخر عدميّا.
(٤) لأنّ الخطأ عبارة عن عدم مطابقة العلم للمعلوم. ولو كان العلم نفس الإضافة بين العالم والمعلوم لا يتصوّر هناك عدم المطابقة ، بل أمرها دائر بين الوجود والعدم ، فإن كانت الإضافة بين العالم والمعلوم موجودة فكان العلم مطابقا للمعلوم ، وإن لم تكن موجودة فلا علم أصلا.
(٥) وهذا دور ، بيان ذلك : أنّ الانتقال من العكس والحاكي إلى العاكس والمحكيّ يتوقّف على سبق علم بالمحكيّ حتّى تحكي الصور الذهنيّة عن المحكيّ ؛ ولو كان العلم بالمحكيّ متوقّفا على حكاية الصور الذهنيّة عن العاكس والمحكيّ ، لزم الدور ، وهو محال.