خضرة دائما ، فيرتّب على ما يراه خضرة آثار الحمرة دائما.

والبرهان على ثبوت الوجود الذهنيّ أنّا نتصوّر هذه الامور الموجودة في الخارج ـ كالإنسان والفرس مثلا ـ على نعت الكلّيّة والصرافة (١) ، ونحكم عليها بذلك (٢) ، ولا نرتاب أنّ لمتصوّرنا هذا ثبوتا مّا في ظرف وجداننا ، وحكمنا عليه بذلك ، فهو موجود بوجود مّا ؛ وإذ ليس بهذه النعوت موجودا في الخارج ، لأنّه فيه على نعت الشخصيّة والاختلاط ، فهو موجود في ظرف آخر لا تترتّب عليه فيه آثاره الخارجيّة ، ونسمّيه : «الذهن».

وأيضا نتصوّر امورا عدميّة غير موجودة في الخارج ، كالعدم المطلق والمعدوم المطلق واجتماع النقيضين وسائر المحالات ، فلها ثبوت مّا عندنا لاتّصافها بأحكام ثبوتيّة كتميّزها من غيرها وحضورها لنا بعد غيبتها عنّا وغير ذلك ؛ وإذ ليس هو الثبوت الخارجيّ ، لأنّها معدومة فيه ففي الذهن.

ولا نرتاب أنّ جميع ما نعقله من سنخ واحد (٣) ، فالأشياء كما أنّ لها وجودا

__________________

(١) ولا يخفى أنّ تصوّر هذه الأمور على نعت الكلّيّة غير تصوّرها على نعت الصرافة ؛ فإنّ الأوّل من قبيل الماهيّة بشرط شيء ، لأنّ المراد من الكلّيّ هو الكلّيّ العقليّ ، كما أنّ المراد من تصوّرها على نعت الكلّيّة تصوّر طبيعتها مقيّدة بقيد الكلّيّة ، فمعنى تصوّر الإنسان على نعت الكلّيّة تصوّره مقيّدا بقيد الكلّيّة ، أي الإنسان الكلّيّ. وأمّا الثاني فهو من قبيل بشرط لا ، لأنّ المراد من الصرف هو الطبيعة من حيث هي ومحذوفا عنها ما يكثرها بالخلط والانضمام.

والحكيم السبزواريّ جعل كلّا من تصوّرها على نعت الكلّيّة وتصوّرها على نعت الصرافة دليلا على حدة. وتبعه المصنّف رحمه‌الله في بداية الحكمة. راجع شرح المنظومة (قسم الحكمة) : ٢٣ ، وبداية الحكمة : ٣٧.

(٢) أي : بنعت الكلّيّة والصرافة.

(٣) هذا دفع دخلين مقدّرين :

أحدهما : أنّ الدليل الأوّل إنّما يثبت الوجود الذهنيّ للكلّيّات ، دون الجزئيّات الموجودة ، فهو أخصّ من المدّعى.

وثانيهما : أنّ الدليل الثاني إنّما يدلّ على وجود الأعدام في الذهن. والمدّعى أنّ ماهيّات الأشياء موجودة في الذهن ، ولا ماهيّة للأعدام ، فهو لا يثبت المدّعى.

ودفعهما بأنّ جميع ما نعقله من سنخ واحد. وبتعبير آخر : لا نجد فرقا بين المفاهيم ـ سواء كانت كلّيّة أو جزئيّة ، وعدميّة أو وجوديّة ـ في نحو التصوّر والإدراك ، بل كلّها من سنخ ـ

۲۸۳۱