مجردّة كلّما تعقّلت معقولا صارت هي هو.
فإنّا نقول : خروج النفس المجرّدة من القوّة إلى الفعل باتّحادها بعقل بعد عقل ليس من باب الحركة المعروفة الّتي هي كمال أوّل لما بالقوّة من حيث إنّه بالقوّة ، وإلّا استلزم قوّة واستعدادا وتغيّرا وزمانا ، وكلّ ذلك ينافي التجرّد الّذي هو الفعليّة التامّة العارية من القوّة.
بل المراد بكون النفس مادّة للصور المعقولة اشتداد وجودها المجرّد من غير تغيّر وزمان ، باتّحادها بالمرتبة العقليّة الّتي فوق مرتبة وجودها بإفاضة المرتبة (١) العالية ، وهي الشرط في إفاضة المرتبة الّتي هي فوق ما فوقها (٢).
وبالجملة : مادّيّة النفس للصور المجرّدة المعقولة غير المادّيّة بالمعنى الّذي في عالم الأجسام نوعا ، وناهيك في ذلك عدم وجود خواصّ المادّة الجسمانيّة هناك.
لا يقال (٣) : الحجّة منقوضة بنفس المادّة ، فإنّها في نفسها جوهر موجود بالفعل ولها قوّة قبول الأشياء ، فيلزم تركّبها من صورة تكون بها بالفعل ومادّة تكون بها بالقوّة ، وننقل الكلام إلى مادّة المادّة ، وهلمّ جرّا ، فيتسلسل. وبذلك يتبيّن أنّ الاشتمال على القوّة والفعل لا يستلزم تركّبا في الجسم.
لأنّه يقال ـ كما أجاب عنه الشيخ (٤) ـ : إنّ المادّة متضمّنة للقوّة والفعل ،
__________________
(١) وفي النسخ : «بإضافة المرتبة العالية». والصحيح ما أثبتناه.
(٢) ولا يخفى عليك : أنّ اشتداد وجود النفس المجرّدة عبارة اخرى عن ثبوت الحركة الجوهريّة فيها ، فكيف ينكر كونه من باب الحركة المعروفة؟! مع أنّه صرّح في الفصل الثاني من المرحلة التاسعة بأنّ كلّ ما لوجوده قوّة ، فوجوده سيّال تدريجيّ ، وصرّح في الفصل الحادي عشر من المرحلة الثامنة بأنّ جوهر النفس متحرّكة بحركة جوهريّة.
(٣) وهذا الاعتراض أيضا ممّا نقله صدر المتألّهين عن لسان بعض شيعة الأقدمين في شرحه للهداية الأثيريّة : ٤٦. وتعرّض له أيضا في الأسفار ٥ : ١١٦ ، وتعليقاته على شرح حكمة الإشراق : ٢١٨. وكذا تعرّض له الشيخ الرئيس في الفصل الثاني من المقالة الثانية من إلهيّات الشفاء ، والفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ٢ : ٤٤.
(٤) راجع الفصل الثاني من المقالة الثانية من إلهيات الشفاء ، حيث قال : «فنقول : ـ