ـ من حيث هو ـ اتّصال جوهريّ لا غير ، وأمّا حيثيّة قوّة الكمالات اللاحقة وإمكانها فأمر خارج عن الاتّصال المذكور ، مغاير له ، فللجسم وراء اتّصاله الجوهريّ جزء آخر حيثيّة ذاته حيثيّة قبول الصور والأعراض اللاحقة ، وهو الجزء المسمّى ب «الهيولى والمادّة» (١).
فتبيّن أنّ الجسم جوهر مركّب من جزئين جوهريّين : المادّة الّتي إنّيّتها (٢) قبول الصور المتعلّقة نوع تعلقّ بالجسم والأعراض المتعلّقة بها ، والصورة الجسميّة. وأنّ المادّة جوهر قابل للصور والأعراض الجسمانيّة. وأنّ الامتداد الجوهريّ صورة لها.
لا يقال (٣) : لا ريب أنّ الصور والأعراض الحادثة اللاحقة بالأجسام يسبقها إمكان في المحلّ واستعداد وتهيّؤ فيه لها ، وكلّما قرب الممكن (٤) من الوقوع زاد الاستعداد اختصاصا واشتدّ ، حتّى إذا صار استعدادا تامّا وجد الممكن بإفاضة من الفاعل. فما المانع من إسناد القبول إلى الجسم ـ أعني الاتّصال الجوهريّ ـ بواسطة قيام الاستعداد به عروضا من غير حاجة إلى استعداد وقبول جوهريّ نثبتهما (٥)
__________________
(١) قال صدر المتألّهين فيما علّقه على حكمة الإشراق وشرحه : «وهذه الحجّة ممّا ذكره المصنّف رحمهالله ـ أي الشيخ الإشراقيّ ـ في المطارحات» ، فراجع شرح حكمة الإشراق : ٢١٨.
ولكن لم أجدها في المطارحات. ونسبها الرازيّ إلى الشيخ الرئيس في المطالب العالية ٦ : ٢٠٢.
(٢) أي : حيثيّة وجودها.
(٣) وهذا الاعتراض مستفاد من كلام الرازيّ في شرح عيون الحكمة ٣ : ٢٣ ، حيث قال : «والثاني أنّ الهيولى ...». ويستفاد أيضا ممّا نقله صدر المتألّهين عن بعض المحقّقين ، فراجع الأسفار ٥ : ١٦٠.
(٤) وفي المراد من «الممكن» وجهان :
الأوّل : أن يكون المراد منه المستعدّ ، ومعناه : أنّ كلّما قرب الممكن المستعدّ من الوقوع والفعليّة زاد الاستعداد اختصاصا.
الثاني : أن يكون المراد منه المستعدّ له ، ومعناه : أنّ كلّما قرب المستعدّ إلى الممكن المستعدّ له من الفعليّة زاد الاستعداد اختصاصا. وهذا أولى.
(٥) وفي النسخ : «نثبته». والصحيح ما أثبتناه.