الأمر بالترك والودع أنّه أمر مولوي ، وبما أنّا لا نحتمل أن يكون ذلك من جهة المصلحة في ترك الصّلاة فيستكشف من الأمر بتركها أنّ في فعل الصّلاة مفسدة وهي محرمة على الحائض بالذات ولذا أمرها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتركها.

ويدفعه : أنّ هذه الجملة لم ترد في كلام النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابتداءً ليدّعى أنّ ظاهره حرمة العبادة على الحائض ، وإنّما ورد بعد السؤال عن حكم المستحاضة الّتي لم تشخص حيضها من غيره ، فأمرها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتركها الصّلاة في أيّام أقرائها ، فهذه الجملة واردة لبيان طريقيّة أيّام العادة إلى الحيض وأنّها أمارة عليها ، ولم تصدر لبيان أنّ العبادة محرمة على الحائض وأن تركها واجب لأنّه أمر معلوم لكلّ أحد فإنّ الصّلاة غير واجبة على الحائض ، وإنّما ورد للدلالة على أنّ أيّام العادة طريق إلى حيضيّة الدم المرئي فيها ، هذا.

على أنّا لو سلمنا أنّها واردة لبيان وجوب ترك الصّلاة أيضاً لا دلالة لها على أنّ العبادة محرمة على الحائض بالذات ، وذلك لأنّ حالها حال بقيّة النواهي الصادرة عنهم عليهم‌السلام لبيان ترك العبادة والمركّبات عند فقدها جزءاً أو شرطاً ، كما في نهيه عن السجود على ما يؤكل ، ونهيه عن الصّلاة فيما لا يؤكل لحمه ، ونهيه عن الصّلاة إلى غير القبلة وغير ذلك من النواهي.

وقد ذكرنا في موردها أنّ الأوامر والنواهي الواردة في المركّبات قد انقلبت عن ظهورها الأوّلي إلى ظهور ثانوي في الإرشاد إلى جزئيّة شي‌ء أو شرطيّته أو الإرشاد إلى مانعيّته أو الإرشاد إلى الفساد ، وأظهر منها المعاملات كنهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن البيع الغرري أو المنابذة ونحوهما ، لأنّه ظاهر في الإرشاد إلى فساد تلك المعاملات ، وأمره بترك الصّلاة في أيّام العادة أيضاً كذلك ، لأنّه إرشاد إلى اشتراط الطّهارة في الصّلاة وفسادها في حالة الحيض ، فلا ظهور لها في الأمر المولوي حتّى يستدلّ به على كون العبادات محرمة ذاتيّة على الحائض.

ومنها : ما ورد في روايات الاستظهار من الأمر بالاحتياط بترك العبادة ، لأنّ العبادة لو كانت محرمة تشريعاً لكان الاحتياط في فعل الصّلاة بداعي احتمال الوجوب‌

۴۹۱