نعم ، يمكن الاستشهاد على ذلك بجملة من الأخبار المستفيضة الواردة في جواز اتخاذ الكنيف مسجداً بعد تنظيفه وطمه بالتراب معللاً في بعضها بأنّ التراب يطهره (١) لدلالتها على أن الأرض المتنجسة لا يجوز اتخاذها مسجداً إذا لم ينظف ولم تطم بالتراب ، فمقتضى تلك الأخبار أن المسجدية والنجاسة أمران متنافيان ولا يجتمعان فتجب إزالتها عنه كما يحرم تنجيسه.

ثم إنها إنما تقتضي وجوب إزالة النجاسة عن ظاهر المساجد فحسب ، وأما باطنها فلا تجب إزالتها عنه كما لا يحرم تنجيسه ، لعدم منافاة نجاسة الباطن مع المسجدية وإلاّ لم يكف طمّ الكنيف في جواز اتخاذه مسجداً ، لأن طمه بالتراب إنما يقطع رائحته ويمنع عن سراية نجاسته لا أنه يطهّره كما لعله ظاهر.

وهل هذا حكم تعبدي مخصوص بمورد الروايات المتقدمة أو أنه يعم غيره من الموارد أيضاً؟ ذهب صاحب الجواهر قدس‌سره إلى اختصاص ذلك بمورد الأخبار وهو المسجد المتخذ من الكنيف وما يشبهه فلا يجوز تنجيس الباطن في سائر المساجد كما تجب إزالة النجاسة عنه (٢). وفيه : أن حرمة تنجيس باطن المسجد لم تثبت بدليل وكذا وجوب الإزالة عنه ، لأن مدركهما إن كان هو الإجماع والارتكاز فمن الظاهر أنهما مفقودان في الباطن وإنما تختصان بظاهر المساجد ، وإن كان مدركهما هو الصحيحة المتقدِّمة فهي أيضاً كذلك لأن المرتكز في ذهن السائل إنما كان وجوب الإزالة عن السطح الظاهر من المسجد لأنه الذي بالت عليه الدابة وسأل الإمام عليه‌السلام عن حكمه ، وأما إذا كان مدرك الحكمين هو الأخبار الواردة في جواز اتخاذ الكنيف مسجداً بعد طمّه بالتراب فلا إشكال في أنها لا تنفي جواز تنجيس البواطن في غير موردها فمقتضى الأصل جواز تنجيسها وعدم وجوب الإزالة عنها. فالصحيح أن حرمة التنجيس ووجوب الإزالة حكمان مخصوصان بظاهر المساجد وسطحها هذا.

وقد يستدلّ على أصل وجوب الإزالة بموثقة الحلبي ، قال : « نزلنا في مكان بيننا‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٢٠٩ / أبواب أحكام المساجد ب ١١ ح ١ ، ٤ ، ٥.

(٢) الجواهر ١٤ : ٩٩ ١٠٠.

۴۶۳