وجوب إزالة النجاسة عن المسجد وحرمة تنجيسه إنما يصح فيما إذا كان لها ظهور عرفي في ارتكازهما ومفروغيتهما عند السائل وأن الوجه في سؤاله عن غسل بول الدابة إنما هو احتماله أو اعتقاده نجاسته ، وأما إذا لم يكن لها ظهور عرفي في انحصار وجه السؤال في ذلك وكان الاستدلال بها مبتنياً على الحدس والتخمين بأن احتملنا أن يكون لسؤاله وجه آخر فلا يمكننا الاعتماد عليها أبداً ، لأنّا كما نحتمل أن يكون الوجه في سؤاله أحد الأمرين المتقدِّمين كذلك نحتمل أن يكون سؤاله راجعاً إلى حكم ترجيح أحد الأمرين المستحبين على الآخر ، حيث إن ظاهر الصحيحة سعة الوقت للصلاة وتمكّن المكلّف من إتيانها قبل خروج وقتها مع تقديم تطهير المسجد على الصلاة ، ومن الظاهر أن المبادرة إلى الواجب الموسّع مستحبة كما أن تنظيف المسجد عن القذارة والوساخة أمر مرغوب فيه في الشريعة المقدسة ، ومن هنا تصدى للسؤال عن أنّ المستحبين أيّهما أولى بالتقديم على غيره؟ لا أنه احتمل نجاسة أبوال الدواب أو كان معتقداً بها ، لبعد ذلك في حق علي بن جعفر ونظرائه لجلالة شأنه وكثرة رواياته فلعلّه كان عالماً بطهارة بول الدواب كما دلت عليها جملة من الأخبار على ما أسلفناه في محلِّه وإنما سأل أخاه عن تقديم أحد المستحبين على الآخر ، فبذلك تصبح الصحيحة غير مبينة فلا يعتمد عليها في مقام الاستدلال.

ومما يؤيد ذلك أن بول الدواب لو كان محكوماً بالنجاسة عند السائل لم يكن يرتضي بتفصيله عليه‌السلام بين صورتي جفافه وعدمه ، وكان من حقه أن يعترض على الإمام ، لوضوح أن النجس واجب الإزالة عن المساجد جف أم لم يجف ، وهذا بخلاف ما إذا كان معتقداً بطهارته ، لأنّ تفصيله عليه‌السلام بين الصورتين حينئذ وحكمه بتقديم إزالة البول على الصلاة مع الرطوبة مستند إلى استقذاره واشتماله على الرائحة الكريهة ، ولذلك كانت إزالته أولى من المبادرة إلى الصلاة ، كما أن حكمه عليه‌السلام بتقديم الصلاة على الإزالة عند الجفاف مستند إلى انقطاع رائحته وعدم استقذاره ، ولذا كانت المبادرة إلى الصلاة أولى من المبادرة إلى إزالته فلا مورد للاعتراض حينئذ. فالمتحصل أن الصحيحة مجملة ولا دلالة لها على المدعى.

۴۶۳