فتحصّل : أنه لا خلاف في اعتبار الطهارة في مسجد الجبهة عند أصحابنا ، ويدلُّ عليه صحيحة الحسن بن محبوب عن أبي الحسن عليه‌السلام أنه كتب إليه يسأله عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب عليه‌السلام إليَّ بخطِّه : أنّ الماء والنار قد طهّراه (١) حيث قرّر عليه‌السلام السائل على اعتقاده أن النجاسة في مسجد الجبهة مانعة عن الصلاة ولم يردع عن ذلك ، وإنما رخّص في السجود على الجص نظراً إلى طهارته بالماء والنار.

هذا كله في الاستدلال بها. وأما فقه الحديث وبيان أن الجص بعد ما تنجس بملاقاة العذرة وعظام الحيوانات الميتة حيث يوقد بهما كيف يطهّره الماء والنار ، ولا سيما أن العظام تشمل المخ وأن فيه دهناً ودسومة. فقد يقال : إن المراد بالنار حرارة الشمس والمراد بالماء رطوبة الجص الحاصلة بصب الماء عليه ، لعدم إمكان التجصيص بالجص اليابس ، فمرجع الصحيحة إلى أن الجص المشتمل على الرطوبة والمتنجس بالعذرة وعظام الموتى يطهر باشراق الشمس عليه. ولا يخفى بعده لأن حمل النار على حرارة الشمس وإرادة الرطوبة من الماء تأويل لا يرضى به اللبيب. وقد يقال : إن الصحيحة غير ظاهرة الوجه إلاّ أن جهلنا بوجهها وأن الماء والنار كيف طهّرا الجص غير مضر بالاستدلال بها على اشتراط الطهارة في مسجد الجبهة ، لأن دلالتها على ذلك مما لا خفاء فيه لتقريره عليه‌السلام هذا.

والصحيح أنه لا هذا ولا ذاك وأنّ الماء والنار باقيان على معناهما الحقيقي وأنّ الجص طهر بهما ، وذلك لأنّ النار توجب طهارة العذرة والعظام النجستين بالاستحالة حيث تقلبهما رماداً ، ويأتي في محلِّه (٢) أنّ الاستحالة من المطهرات. وأما الماء فلأن مجرّد صدق الغسل يكفي في تطهير مطلق المتنجس إلاّ ما قام الدليل على اعتبار تعدّد الغسل فيه ، ويأتي في محلِّه (٣) أن الغسلة الواحدة كافية في تطهير المتنجسات ، كما‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٥٢٧ / أبواب النجاسات ب ٨١ ح ١ وكذا في ٥ : ٣٥٨ / أبواب ما يسجد عليه ب ١٠ ح ١.

(٢) في المسألة [٣٦٢] ( الرابع : الاستحالة ).

(٣) في المسألة [٣١١].

۴۶۳