وثانياً : أنّ دعوى الإجماع في المسألة لو تمت فإنما تتم في حق المتأخِّرين ، وأما علماؤنا المتقدمون فلا تعرض في شي‌ء من كلماتهم إلى تلك المسألة ، ولم يفت أحد منهم بتنجيس المتنجس مع كثرة الابتلاء به في اليوم والليلة وفي القرى والبلدان ، ومعه كيف تتم دعوى الإجماع على تنجيس المتنجسات ، ومن هنا ذكر المرحوم الآقا رضا الأصفهاني قدس‌سره في رسالة وجهها إلى العلاّمة البلاغي قدس‌سره ما مضمونه : أنّا لم نجد أحداً من المتقدمين يفتي بتنجيس المتنجس فضلاً عن أن يكون مورداً لإجماعهم ، فلئن ظفرتم على فتوى بذلك من المتقدمين فلتخبروا بها وإلاّ لبدلنا ما في منظومة الطباطبائي قدس‌سره :

والحكم بالتنجيس إجماع السلف

وشذ من خالفهم من الخلف

وقلنا :

والحكم بالتنجيس إحداث الخلف

ولم نجد قائله من السلف(١)

وعليه فلا يمكننا الاعتماد على الإجماعات المنقولة في المسألة ولو على تقدير القول باعتبار الإجماع المنقول في نفسه وذلك للقطع بعدم تحقّق الإجماع من المتقدمين. أضف إلى ذلك كلّه أنّ الإجماع على تقدير تحققه ليس من الإجماع التعبّدي في شي‌ء ، لأنّا نحتمل استنادهم في ذلك إلى الأخبار أو غيرها من الوجوه المستدل بها في المقام.

الثالث : الأخبار فمنها : الأخبار الواردة في وجوب غسل الإناء الذي شرب منه الكلب أو الخنزير (٢) بتقريب أن العادة تقتضي أن يكون شربهما في الإناء من غير ملاقاتهما له ، ولا سيما في الكلب حيث إنه إنما يلغ بطرف لسانه مما في الإناء ولا يصيب فمه الإناء عادة ، فلولا أن الماء المتنجس منجّس لما لاقاه وهو الإناء لم يكن وجه للأمر‌

__________________

(١) الدرّة النجفية : ٥١ جاء هكذا :

وشذّ من خالف ممن قد خلف

والقول بالتنجيس إجماع السلف

(٢) الوسائل ١ : ٢٢٥ / أبواب الأسآر ب ١ ح ٢ ، ٣ ، ٤ وكذا في ٣ : ٤١٥ / أبواب النجاسات ب ١٢ ح ٢ ، ٣.

۴۶۳