يكون معروفاً عندهم ومغروساً في أذهانهم بحيث يزعمون أنه ضروري في الشريعة المقدّسة ، مع أنه أمر قد حدث في عصر متأخر عن عصرهم عليهم‌السلام. وبالجملة أن الحكم إذا لم يحرز اتصاله بزمان الأئمة عليهم‌السلام لا يستكشف باشتهاره أنه ثابت في الشريعة أبدا.

الثاني : أن تنجيس المتنجس إجماعي حيث أفتوا بذلك خلفاً عن سلف وعصراً بعد عصر ولم ينكر ذلك أحد. والجواب عنه أولاً : أن دعوى الإجماع في المسألة إنما تتم لو قلنا بحجيته بقاعدة اللطف كما اعتمد عليها الشيخ قدس‌سره فان الحكم بتنجيس المتنجس قد وقع الاتفاق عليه في عصر مثلاً ولم يظهر خلافه الإمام عليه‌السلام في ذلك العصر فمنه يستكشف أنه مرضي عنده ، ولكنّا قد أبطلنا هذه القاعدة في محله وذكرنا أنها على تقدير تماميتها في نفسها لا يمكن أن تكون مدركاً لحجية الإجماع بوجه (١). على أن إظهاره الخلاف مما لا يكاد أن يترتب عليه ثمرة ، لأنه إن ظهر وعرّف نفسه وأظهر الخلاف فهو وإن كان موجباً لاتباع قوله عليه‌السلام إلاّ أنه خلاف ما قدّره الله سبحانه حيث عيّن وقتاً لظهوره لا يتقدّم عليه ولا يتأخّر عنه وأما إذا أظهر الخلاف من غير أن يظهر ويعرّف نفسه فأيّ أثر يترتّب على خلافه حينئذ ، لأنه لم يعرف بالعلم حالئذ فضلاً عن إمامته.

وأما على طريقة المتأخِّرين في حجية الإجماع أعني الحدس بقوله عليه‌السلام من إجماع المجمعين فلا يتم دعوى الإجماع في المسألة ، فإنه كيف يستكشف مقالة الإمام عليه‌السلام من فتوى الأصحاب في المسألة مع ذهاب الحلي ونظرائه إلى عدم تنجيس المتنجسات ، بل ظاهر كلامه أن عدم تنجيس المتنجس كان من الأُمور المسلّمة في ذلك الزمان حيث يظهر من محكي كلامه أن المنجّسية من آثار عين النجس ، والمتنجسات الخالية منها نجاسات حكميات (٢). وكيف كان ، إنّ الاتفاق على حكم في زمان لا يوجب العلم بمقالة الإمام عليه‌السلام.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ١٣٨.

(٢) راجع السرائر ١ : ١٧٩.

۴۶۳