مجرّد زوال العين في طهارته ولو بغير الماء إلاّ فيما دلّ الدليل على اعتبار غسله به (١) إلاّ أنّا أبطلنا ما ذهب إليه في محلِّه (٢) وقلنا أنّ ملاقاة الأعيان النجسة بالرطوبة موجبة للسراية ، واستشهدنا عليه بما ورد في موثقة عمّار من قوله عليه‌السلام : « يغسل كل ما أصابه ذلك الماء » (٣) أي الماء المتنجس بموت الفأرة فيه ، لأنه كاشف قطعي عن سراية النجاسة إلى ملاقي النجس وملاقي ملاقيه ، ومن هنا أمر بغسل كل ما أصابه ، فإن الغسل كما مرّ عبارة عن إزالة الأثر المتحقق في المغسول ، فلولا سراية النجاسة إليه بملاقاة النجس لم يكن معنى للأمر بإزالة الأثر حيث لا أثر بعد زوال العين حتى يغسل ويزال ولعله ظاهر.

وإنما الكلام في المتنجسات والمشهور بين المتأخرين أنها كالأعيان النجسة منجّسة مطلقاً ، واستدل لهم على ذلك بأُمور :

الأوّل : أن منجسية المتنجس أمر ظاهر يعرفه المتشرعة وجميع المسلمين من عوامهم وعلمائهم من غير اختصاصه بطائفة دون طائفة ، وعليه فمنجسية المتنجس أمر ضروري لا خلاف فيه بين المسلمين. ويدفعه : أنه إن أُريد بذلك أن تنجيس المتنجس نظير وجوب الصلاة وحرمة الخمر وغيرهما من الأحكام التي ثبتت من الدين بالضرورة المستتبع إنكارها إنكار النبوة والموجبة للحكم بكفر منكرها ففساده مما لا يحتاج إلى البيان ، لأن تنجيس المتنجس أمر نظري ولا تلازم بين إنكاره وإنكار النبوة بوجه فكيف يمكن قياسه بسائر الأحكام الضرورية من الدين.

وإن أُريد أنه أمر واضح معروف لدى المتشرعة وإن لم يصل مرتبة الضرورة الموجبة لكفر منكرها ، ففيه : أنه وإن كان معروفاً عندهم إلاّ أن ذلك لا يكشف عن ثبوته في الشريعة المقدسة ، لعدم إحراز اتصال الحكم بزمانهم عليهم‌السلام ، لأنّ أيّ حكم إذا أفتى به المقلَّدون في عصر واتبعهم مقلِّدوهم برهة من الزمان فلا محالة‌

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ١ : ٧٥.

(٢) شرح العروة ٢ : ٢٥.

(٣) الوسائل ١ : ١٤٢ / أبواب الماء المطلق ب ٤ ح ١.

۴۶۳