ويتوجّه عليه أن الأصل في القيود وإن كان هو الاحتراز وقد بيّنا في مبحث المفاهيم أن الوصف كالشرط ذات مفهوم إلاّ أن مفهومه أن الطبيعة على إطلاقها غير مقتضية للحكم والأثر وإنما المقتضي لهما حصة خاصة من الطبيعي ، ولا دلالة له على أن الحكم الثابت لتلك الحصة غير ثابت لحصة أُخرى من الطبيعة (١) ، مثلاً إذا ورد أكرم الرجل العالم يدلنا تقييد الرجل بأن يكون عالماً على أن طبيعي الرجولية غير مقتض لوجوب إكرامها ، بل الذي ثبت له وجوب الإكرام حصة خاصة وهي الرجل المتصف بالعلم ، لأنه لو كان ثابتاً لطبيعي الرجل على إطلاقه كان تقييده بالعالم من اللغو الظاهر ، إلاّ أنه لا يدل على أن الرجل العادل أو غيره من الحصص غير متصف بهذا الحكم ، حيث لا دلالة في الوصف على كونه علة منحصرة للوجوب في المثال ومعه يمكن أن تكون العدالة أو الشيخوخة أو غيرهما من القيود كالعلم علّة لوجوب الإكرام مثلاً.

وعليه يدلّنا تقييد العصير في الرواية « بما أصابته النار » أن ارتفاع الحرمة بذهاب الثلثين غير مترتِّب على طبيعي العصير وإلاّ كان تقييده لغواً ظاهراً وإنما يترتّب على حصّة خاصّة منه وهو الذي تصيبه النار ، إلاّ أنه لا يدلّنا بوجه على عدم ارتفاع الحرمة بذهاب الثلثين في غيره من الحصص المتصورة للعصير كالمغلي بنفسه أو بحرارة الشمس أو الهواء ، لما عرفت من أن الوصف لا ظهور له في العلية المنحصرة ، ومعه يمكن أن يكون الغليان بنفسه كالغليان بالنار علة للحرمة المغياة بذهاب الثلثين هذا.

على أنّا لو سلمنا ظهور الرواية في إرادة خصوص الغليان بالنار وفرضنا أنها كالصريح في أن الغليان بالنار هو الذي يقتضي الحرمة المغياة بذهاب الثلثين دون الغليان بغيرها من الأسباب ، فغاية ذلك أن نفصّل في حرمة العصير بين ما إذا غلى بنفسه فلا ترتفع حرمته إلاّ بتخليله وما إذا غلى بالنار فترتفع حرمته بذهاب ثلثيه ، وأين هذا من التفصيل في نجاسة العصير؟ حيث لم يدلنا أي دليل على أن العصير إذا غلى بنفسه ينجس حتى يحكم بعدم ارتفاعها بذهاب ثلثيه. فالصحيح هو الذي‌

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٣٣.

۴۶۳