وهذا السؤال وإن كان له وجه إلاّ أنه يندفع بأن الطائفة الثانية وإن اختصت بالمطبوخ كما ادعاه إلاّ أن بينها صحيحة عبد الله بن سنان أو حسنته ، قال : « ذكر أبو عبد الله عليه‌السلام أنّ العصير إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه فهو حلال » (١) والعصير فيها مطلق وتدلّنا هذه الصحيحة على أنّ ذهاب الثلثين رافع لحرمة مطلق العصير سواء غلى بنفسه ونشّ أوّلاً ثم أغلي بالنار وذهب ثلثاه أم لم يغل قبل غليانه بالنار ، هذا بل قيل إن الغالب في العصير الموجود في دكاكين المخللين وصنّاع الخل والدبس هو الأول ، لأن العصير عندهم كثير ولا يتمكنون من جعله دبساً دفعة ومن هنا يبقى العصير في دكاكينهم مدة ويحصل له النشيش من قبل نفسه ثم يغلي بالنار ويذهب ثلثاه. فالمتحصل أن ذهاب الثلثين مطلقاً يرفع الحرمة الثابتة على العصير غلى بنفسه أم غلى بالنار.

ثانيهما : صحيحة ابن سنان أو حسنته عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه » (٢) حيث إنه رتّب الحرمة المغياة بذهاب الثلثين على العصير الذي أصابته النار ، فيستفاد منها أن ما لم تصبه النار من العصير كما إذا غلى بسبب أمر آخر لا ترتفع حرمته بذهاب ثلثيه وإلاّ فما فائدة تقييده العصير بما أصابته النار؟

ودعوى أنّ القيد توضيحي ، خلاف ظاهر التقييد لأنّ القيود محمولة على الاحتراز فيما إذا لم يؤت بها لفائدة أُخرى كما في قوله عزّ من قائل ﴿ وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ (٣) حيث إن الإتيان بالقيد من جهة الإشارة إلى حكمة الحكم بحرمة الربائب لا أنّ حرمتها مختصّة بما إذا كانت في الحجور ، وعليه لا مناص من التفصيل في حلية العصير بذهاب ثلثيه بين صورة غليانه بنفسه وصورة غليانه بسبب أمر آخر ، لأنّ الغاية لحرمة العصير المغلي بنفسه تنحصر بتخليله هذا.

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٢٧٧ / أبواب الأشربة المباحة ب ٣٢ ح ٢ ، ٢٨٨ أبواب الأشربة المحرمة ب ٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٢٨٢ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٢ ح ١.

(٣) النساء ٤ : ٢٣.

۴۶۳