قدّمناه عن المحقق الهمداني قدس‌سره من أن التفصيل في نجاسة العصير بين غليانه بالنار وغليانه بغيرها مما لم يعلم مستنده (١) ، فان ما أفاده شيخ الشريعة قدس‌سره لو تمّ فإنما يقتضي التفصيل في حرمة العصير دون نجاسته هذا.

وقد يستدلّ على هذا التفصيل برواية الفقه الرضوي « فإن نش من غير أن تصيبه النار فدعه حتى يصير خلاًّ من ذاته » (٢) فإنّه كالصريح في أنّ الغليان من قبل نفس العصير مولد لحرمته وكذا لنجاسته وأنهما لا يرتفعان إلاّ بتخليله ، إلاّ أنّا ذكرنا غير مرّة أن الفقه الرضوي لم يثبت كونه رواية فضلاً عن أن تكون حجّة.

وقد يستدلّ برواية عمّار بن موسى الساباطي ، قال : « وصف لي أبو عبد الله عليه‌السلام المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالاً فقال : تأخذ ربعاً من زبيب وتنقيه ثم تصب عليه اثني عشر رطلاً من ماء ، ثم تنقعه ليلة فاذا كان أيام الصيف وخشيت أن ينش جعلته في تنور سخن قليلاً حتى لا ينش ثم تنزع الماء منه كلّه إذا أصبحت ، ثم تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره ، ثم تغليه حتى تذهب حلاوته إلى أن قال : فلا تزال تغليه حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث » الحديث (٣) بتقريب أن قوله : « وخشيت أن ينش ظاهره » أن العصير مع النشيش من قبل نفسه لا يقبل الطهارة والحلية بإذهاب ثلثيه ، فالخشية إنما هي من صيرورته خارجاً عن قابلية الانتفاع به بذهاب الثلثين لأجل غليانه من قبل نفسه ، فالنش في قبال غليانه بالنار الذي يحلله ذهاب الثلثين.

والكلام في هذا الاستدلال تارة يقع في فقه الحديث ، وأُخرى في الاستدلال به على المدعى.

أما فقه الحديث فقد وقع الكلام في المراد من أمره عليه‌السلام بجعل العصير في تنور سخن قليلاً خوفاً من نشيشه من قبل نفسه ، مع أن جعله في مكان حارّ معد لنشيشه لا أنه مانع عنه.

__________________

(١) تقدّم في ص ١٠٣.

(٢) فقه الرضا : ٢٨٠.

(٣) الوسائل ٢٥ : ٢٨٩ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٥ ح ٢.

۴۶۳