الأخبار المشتملة على لفظة الغليان مما دلّ على حرمة العصير أو نجاسته وإن لم يغي فيها الحكم بذهاب الثلثين ، إلاّ أن عدم ذكر السبب للغليان لا يقتضي استناده إلى نفس العصير ، لأنه دعوى لا شاهد لها من العرف ولا من كلمات أهل اللّغة ، كيف فان عدم ذكر السبب يقتضي الإطلاق من حيث أسبابه فلا يفرق بين استناده إلى نفسه أو إلى النار أو غيرهما ، فالمراد بالغليان في حسنة حماد عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يحرم العصير حتى يغلي » (١) وفي خبره الآخر : « تشرب ما لم يغل فاذا غلى فلا تشربه » (٢) أعم من الغليان بالنار والغليان بنفسه ، فلا يكون عدم ذكر السبب موجباً لتقييد الغليان بخصوص ما يستند إلى نفسه ، فإذا ورد أن الرجل إذا مات ينتقل ماله إلى وارثه ، فلا يحمله أحد على إرادة خصوص موته المستند إلى نفسه ، بل يعمّه وما إذا كان مستنداً إلى غيره من قتل أو غرق أو غيرهما من الأسباب الخارجية.

هذا كله على أن الغليان لا يعقل أن يستند إلى نفس العصير ، فإنّه لو صُبّ في ظرف كالإناء وجُعل في ثلاجة أو غيرها مما لا تؤثر فيه حرارة خارجية فلا محالة يبقى مدّة من الزمان ولا يحدث فيه الغليان أبداً ، وعليه فالغليان غير مسبب عن نفس العصير بل دائماً مستند إلى أمر خارجي من نار أو حرارة الهواء أو الشمس ، ومعه لا وجه لحمل الغليان في الطائفة الأُولى على الغليان بنفسه حتى ينتج أن الحاصل بسببه لا يرتفع حكمه بذهاب ثلثي العصير.

نعم يبقى له سؤال وهو أنه هب أن الغليان في الروايات المذكورة مطلق ولا يختص بالغليان بنفسه إلاّ أنه لم يدلنا دليل على أن ذهاب الثلثين في مطلق العصير يقتضي طهارته ويرفع حرمته ، لما قدمناه من أن الطائفة الثانية المشتملة على ذهاب الثلثين مختصة بالعصير المطبوخ بالنار أو ما يساوقه ، فذهابهما إنما يكون غاية لارتفاع الحرمة أو النجاسة في خصوص ما غلى بالنار ، وأما في غيره فلا دليل على ارتفاع حكمه بذهابهما فلا بدّ من التمسك حينئذ بعدم القول بالفصل والملازمة بين ما غلى بالنار وما غلى بغيرها وهي بعد لم تثبت.

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٢٥ : ٢٨٧ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٣ ح ١ ، ٣.

۴۶۳