فهذه الأخبار قد دلّتنا على أنّ العصير المطبوخ الذي يستند غليانه إلى النار دون مطلق العصير المغلي إذا ذهب عنه ثلثاه وبقي ثلثه فلا بأس به ، ولا دلالة في شي‌ء منها على عدم البأس في مطلق العصير المغلي إذا ذهب عنه ثلثاه ، فمن ذلك يظهر أن ذهاب الثلثين محلل للعصير الذي استند غليانه إلى الطبخ بالنار ولا نجاسة فيه أبداً وأمّا ما استند غليانه إلى نفسه ولو بمعونة أمر خارجي غير منفرد في الاقتضاء كالشمس وحرارة الهواء فذهاب الثلثين فيه لا يكون موجباً لحليته ولا مزيلاً لنجاسته ، فبذلك نبني على أن العصير إذا غلى بنفسه فهو نجس محرّم شربه ولا يرتفع شي‌ء من نجاسته وحرمته إلاّ بانقلابه خلا كما هو الحال في الخمر ، وسرّه أنّ الغليان في الطائفة الاولى من الروايات وهي الأخبار المشتملة على حرمة العصير أو نجاسته بغليانه لم يذكر له سبب ، وكلّ وصف لشي‌ء لم يذكر استناده إلى سبب فالظاهر أنه مما يقتضيه نفس ذلك الشي‌ء بمادّته.

وعليه فالروايات ظاهرة في أنّ الغليان المنتسب إلى نفس مادة العصير ولو بمعونة أمر خارجي هو الذي يقتضي نجاسته دون الغليان المنتسب إلى النار ، وبهذا صحّ التفصيل المتقدم ذكره ، ومعه لا وجه لما عن المحقق الهمداني وغيره من عدم استناد ذلك إلى دليل ، حيث ذكر المحقِّق المذكور بعد نقله التفصيل المتقدِّم ذكره عن ابن حمزة في الوسيلة أنه لم يعلم مستنده (١).

ودعوى : أنّ هذه النكتة في الروايات ذكر السبب وعدمه قضيّة اتفاقية لا يناط بها الحكم الشرعي كما عن بعض معاصريه مندفعة بأنّ النكات والدقائق التي أعملها الأئمة عليهم‌السلام في كلماتهم مما لا مناص من أخذها كما يجب الأخذ بأصلها (٢). هذه خلاصة ما أفاده قدس‌سره في الأمر الأول من استدلاله بعد ضم بعض كلماته ببعض وزيادة منّا لتوضيح المراد.

ولكن لا يمكننا المساعدة على هذه الدعوى بوجه ، لأنها مما لا أصل له حيث إنّ‌

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٥٥٢ السطر ٣١.

(٢) إفاضة القدير : ١٦ ٣٥.

۴۶۳