الذاتيّات منحفظة على القول بالوجود الذهنيّ ، فإذا تعقّلنا الجوهر كان جوهرا ، نظرا إلى انحفاظ الذاتيّات ، وهو بعينه عرض ، لقيامه بالنفس قيام العرض بموضوعه ، فكان جوهرا وعرضا بعينه ، واستحالته ظاهرة.
وجه الاندفاع : أنّ المستحيل كون شيء واحد جوهرا وعرضا معا بالحمل الشائع (١) ، والجوهر المعقول جوهر بالحمل الأوّليّ وعرض بالحمل الشائع ، فلا استحالة.
وإشكال ثان : وهو أنّ لازم القول بالوجود الذهنيّ أن يكون الجوهر المعقول جوهرا نظرا إلى انحفاظ الذاتيّات ، والعلم عندهم من الكيفيّات النفسانيّة ، فالمعقول من الجوهر مندرج تحت مقولة الجوهر وتحت مقولة الكيف ، وهو محال ، لأدائه إلى تناقض الذات ، لكون المقولات متباينة بتمام الذات. وكذا إذا تعقّلنا الكمّ ـ مثلا ـ كانت الصورة المعقولة مندرجة تحت مقولتي الكمّ والكيف معا ، وهو محال. وكذا إذا تعقّلنا الكيف المبصر ـ مثلا ـ كان مندرجا تحت نوعين من مقولة الكيف ، وهما الكيف المحسوس والكيف النفسانيّ.
وجه الاندفاع : أنّه كيف نفسانيّ بالحمل الشائع ، فهو مندرج تحته ، وأمّا غيره من المقولات أو أنواعها فمحمول عليه بالحمل الأوّليّ ، وليس ذلك من الاندراج في شيء.
إشكال ثالث : وهو أنّ لازم القول بالوجود الذهنيّ كون النفس حارّة وباردة معا ، ومربّعا ومثلّثا معا ، إلى غير ذلك من المتقابلات عند تصوّرها هذه الأشياء ، إذ لا نعني بالحارّ والبارد والمربّع والمثلّث إلّا ما حصلت له هذه المعاني الّتي توجد للغير وتنعته.
وجه الاندفاع : أنّ الملاك في كون وجود الشيء لغيره وكونه ناعتا له هو الحمل الشائع ، والّذي يوجد في الذهن ـ من برودة وحرارة ونحوهما ـ هو كذلك بالحمل الأوّليّ دون الشائع.
__________________
(١) بل بالحمل الأوّليّ أيضا ، فإنّ الشيء الواحد لا يمكن أن يكون جوهرا وعرضا معا مع وحدة الحمل ، سواء كان بالحمل الشائع أو الأوّليّ.