لأنّه تميّز بعدم» مردود بأنّ العدم بطلان محض ، لا كثرة فيه ولا تميّز ، وليس فيه ذات متّصفة بالعدم يلحقها وجود بعد ارتفاع وصفه (١). فقد تقدّم (٢) أنّ ذلك كلّه اعتبار عقليّ بمعونة الوهم الّذي يضيف العدم إلى الملكة ، فيتعدّد العدم ويتكثّر بتكثّر الملكات. وحقيقة كون الشيء مسبوق الوجود بعدم وملحوق الوجود به ـ وبالجملة : إحاطة العدم به من قبل ومن بعد ـ اختصاص وجوده بظرف من ظروف الواقع وقصوره عن الانبساط على سائر الظروف من الأعيان ، لا أنّ للشيء وجودا واقعيّا في ظرف من ظروف الواقع ، وللعدم تقرّر واقع منبسط على سائر الظروف ربّما ورد على الوجود فدفعه عن مستقرّه واستقرّ هو فيه ، فإنّ فيه (٣) إعطاء الأصالة للعدم واجتماع النقيضين.
والحاصل : أنّ تميّز الوجود الثاني تميّز وهميّ لا يوجب تميّزا حقيقيّا ، ولو أوجب ذلك أوجب البينونة بين الوجودين وبطلت العينيّة.
والقول بـ «أنّه لم لا يجوز أن يوجد الموجد شيئا ، ثمّ يعدم ، وله بشخصه صورة علميّة عنده أو عند بعض المبادئ العالية ، ثمّ يوجد ثانيا على ما علم فيستحفظ الوحدة والعينيّة بين الوجودين بالصورة العلميّة؟» يدفعه أنّ الوجود الثاني كيفما فرض وجود بعد وجود ، وغيريّته وبينونته للوجود الأوّل بما أنّه بعده ضروريّ ، ولا تجتمع العينيّة والغيريّة البتّة.
وهذا الّذي تقرّر ـ من استحالة تكرّر الوجود لشيء مع تخلّل العدم ـ هو المراد بقولهم : «إنّ إعادة المعدوم بعينه ممتنعة» (٤). وقد عدّ الشيخ امتناع إعادة المعدوم
__________________
ـ من الوجود الأوّل بأنّ الوجود الثاني مسبوق بالعدم بعد الوجود ، والوجود الأوّل مسبوق بالعدم الأزليّ.
(١) الّذي هو العدم.
(٢) في الفصل السابق.
(٣) أي : في كون العدم ذا تقرّر واقع.
(٤) وذهب إليه الحكماء ، وجماعة من المتكلّمين ، ومنهم بعض الكراميّة وأبو الحسين البصريّ ومحمود الخوارزميّ من المعتزلة ؛ خلافا للأشاعرة ومشايخ المعتزلة ، فإنّ إعادة المعدوم جائزة عندهم. راجع شرح المواقف : ٥٧٩ ، وشرح التجريد للقوشجيّ : ٦٠ ـ ٦٣ وقواعد المرام في علم الكلام : ١٤٧.