ما لا يشتهيه كشرب دواء كريه ينفعه ، وقد يشتهي ما لا يريده كأكل طعام لذيذ يضرّه» (١) انتهى.
وبمثل البيان يظهر أنّ الإرادة غير الشوق المؤكّد (٢) الّذي عرّفها به بعضهم (٣).
وملخّص القول ـ الّذي يظهر به أمر الإرادة الّتي يتوقّف عليها فعل الفاعل المختار ـ هو : أنّ مقتضى الاصول العقليّة أنّ كلّ نوع من الأنواع الجوهريّة مبدأ فاعليّ للأفعال الّتي ينسب إليه صدورها ، وهي كمالات ثانية للنوع. فالنفس الإنسانيّة ـ الّتي هي صورة جوهريّة مجرّدة متعلّقة الفعل بالمادّة ـ علّة فاعليّة للأفعال الصادرة عن الإنسان ، لكنّها مبدأ علميّ لا يصدر عنها إلّا ما ميّزته من كمالاتها الثانية من غيره ، ولذا تحتاج قبل الفعل إلى تصوّر الفعل والتصديق بكونه كمالا لها ، فإن كان التصديق ضروريّا أو ملكة راسخة قضت بكون الفعل كمالا ولم تأخذ بالتروّي ، كالمتكلّم الّذي يتلفّظ بالحرف بعد الحرف من غير تروّ ، ولو تروّى في بعضها لتبلّد (٤) وتلكّأ (٥) وانقطع عن الكلام ، وإن لم يكن ضروريّا مقضيّا به توسّلت إلى التروّي والفحص عن المرجّحات ، فإن ظفرت بما يقضي بكون الفعل كمالا قضت به. ثمّ يتبع هذه الصورة العلميّة ـ على ما قيل ـ الشوق
__________________
ـ كريه ، وقد يشتهي ما لا يريده كأكل طعام لذيذ يضرّه ، وقد يريد ما يشتهيه كأكل طعام لذيذ لا يضرّه. وكذا الحال بين مقابليهما.
(١) راجع الأسفار ٤ : ١١٣. وهذا بعينه ما قال التفتازانيّ في شرح المقاصد ١ : ٢٣٦.
(٢) والمغايرة بينهما ـ على ما صرّح به المصنّف رحمهالله في تعليقته على الكفاية : ٧٧ ـ من وجهين :
الأوّل : أنّ الإرادة لا تتعلّق إلّا بالأفعال الاختياريّة ، والشوق يتعلّق بالأعيان كما يتعلّق بالأفعال الاختياريّة.
الثاني : قد يشتاق الإنسان إلى شيء ولا يريده ، وذلك في الفعل الملائم للطبع المعلوم استحالته ، فالإنسان يشتاق إليه ولكن لا يريده بعد علمه باستحالته.
(٣) هكذا عرّفها الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة : ١٨٤ ، حيث قال : «إنّ الإرادة فينا شوق مؤكّد يحصل عقيب داع». وقال في تعليقته على الأسفار ٦ : ٣٢٣ الرقم ١ : «وذلك لأنّ الإرادة فينا هي الشوق الأكيد الشديد الموافي للمراد». ونسبه صدر المتألّهين إلى الأوّلين في الأسفار ٤ : ١١٤.
(٤) تبلّد : تردّد متحيّرا.
(٥) تلكّأ : أبطأ وتوقّف.