القوّة على الانفعال والقوّة على المقاومة داخلتان تحت هذا النوع. وأمّا أنّ القوّة على الفعل هل هي داخلة تحت هذا النوع؟ فالمشهور أنّها منه ، والشيخ أخرجها منه ، وهو الحقّ ، كما سيظهر لك وجهه. فإذا اريد تلخيص معنى جامع للقسمين دون الأمر الثالث ، فيقال : إنّه كيفيّة بها يترجّح أحد جانبي القبول واللاقبول لقابلها.
وأمّا بيان أنّ القوّة على الفعل لا تصلح أن تكون داخلة تحت هذا النوع ـ كما ذهب اليه الشيخ فيحتاج أوّلا إلى أن نعرف أصلا كلّيّا وهو : أنّ جهات الفعل دائما تكون من لوازم الذات ، لأنّ كلّ ذات لها حقيقة ، فلها اقتضاء أثر إذا خلّيت وطبعها ولم يكن مانع تفعل ذلك الأثر ، فلا تحتاج في فعلها إلى قوّة زائدة عليها ، وإذا فرض إضافة قوّة اخرى لها لم تكن تلك الذات بالقياس إليها فاعلة لها ، بل قابلة إيّاها ، وإذا اعتبرت الذات والقوّة معا كان المجموع شيئا آخر ، إن كان له فعل كان فعله لازما من غير تراخي استعداد له لحصول ذلك الفعل ، ولو فرض ذلك الاستعداد للفاعليّة له كان يلزمه أوّلا قوّة انفعاليّة لحصول ما يتمّ به كونه فاعلا ، فذلك الاستعداد المفروض لم يكن بالحقيقة لفاعليّته ، بل لانفعاله ، فليس للفاعليّة استعداد ، بل للمنفعليّة أوّلا وبالذات وللفاعليّة بالعرض.
فثبت ممّا بيّنّا بالبرهان أن لا قوّة ولا استعداد بالذات لكون الشيء فاعلا ، بل إنّما القوّة والاستعداد للانفعال ولصيرورة الشيء قابلا لشيء بعد أن لم يكن» (١) انتهى.
وأمّا نفس الاستعداد فقد قيل (٢) : «إنّها من المضاف ، إذ لا يعقل إلّا بين شيئين مستعدّ ومستعدّ له ، فلا يكون نوعا من الكيف». ويظهر من بعضهم أنّه كيف يلزمه إضافة (٣) ، كالعلم الّذي هو من الكيفيّات النفسانيّة وتلزمه الإضافة بين موضوعه ومتعلّقه ـ أعني العالم والمعلوم وكالقدرة والإرادة.
__________________
(١) راجع الأسفار ٤ : ١٠٥ ـ ١٠٦.
(٢) والقائل فخر الدين الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٣١٦. وتبعه صدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ١٠٥.
(٣) فيكون من قبيل الكيفيّات ذات الإضافة.