فما فشى عند عامّة الجدليّين في أثناء المناظرة عند فرض أمر مستحيل ليتوصّل به إلى استحالة أمر من الامور بالبيان الخلفيّ (١) أو الاستقاميّ (٢) ـ بأن يقال : إنّ مفروضك مستحيل فجاز أن يستلزم نقيض ما ادّعيت استلزامه إيّاه لكون المحال قد يلزم منه محال آخر ـ واضح (٣) الفساد ، فإنّ المحال لا يستلزم أيّ محال كان (٤) ، بل محالا إذا قدّر وجودهما يكون بينهما تعلّق سببيّ ومسبّبيّ» (٥) انتهى (٦).
فإن قيل : الممتنع بالذات ليس إلّا ما يفترضه العقل ويخبر عنه بأنّه ممتنع بالذات فما معنى عدم قدرته على تعقلّه؟
قيل : إنّ المراد بذلك أن لا حقيقة عينيّة له حتّى يتعلّق به علم ، حتّى أنّ الّذي نفرضه ممتنعا بالذات ونحكم عليه بذلك ممتنع بالذات بالحمل الأوّليّ ، محكوم عليه بالامتناع ، و [هو بعينه] صورة علميّة ممكنة موجودة بالحمل الشائع.
وهذا نظير ما يقال (٧) ـ في دفع التناقض المتراءى في قولنا : «المعدوم المطلق لا يخبر عنه» حيث يدلّ على نفي الإخبار عن المعدوم المطلق ، وهو بعينه إخبار عنه ـ : إنّ نفي الإخبار عن المعدوم المطلق بالحمل الشائع ، إذ لا شيئيّة له حتّى يخبر عنه بشيء ، وهذا بعينه إخبار عن المعدوم المطلق بالحمل الأوّليّ ، الّذي هو
__________________
(١) فيقال مثلا : «لو لم يمتنع عدم تناهي الأجسام لجاز نقيضه. ولو جاز نقيضه ـ وهو كون الجسم غير متناهي الأبعاد ـ لزم كون المحصور غير محصور ، لكن كون المحصور غير محصور محال ، فكون الجسم غير متناهي الأبعاد محال».
(٢) يقال مثلا : «عدم تناهي الأبعاد في الأجسام يستلزم أن يكون المحصور غير محصور ، وكلّ ما يستلزم أن يكون المحصور غير محصور محال ، فعدم تناهي الأبعاد في الأجسام محال».
(٣) خبر لقوله : «فما فشى».
(٤) فإنّ حماريّة الإنسان ـ وهو محال ـ لا يستلزم صاهليّته ـ وهو محال آخر ـ نعم حماريّته تستلزم ناهقيّته.
(٥) راجع الأسفار ١ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧.
(٦) ولمزيد التوضيح راجع أيضا كلامه في الأسفار ٦ : ٣٨٧.
(٧) والقائل هو صدر المتألّهين في الأسفار ١ : ٣٤٥ ـ ٣٤٧.