قال جمع من المتكلّمين (١) بالثاني.

والحقّ هو الأوّل ، وبه قالت الحكماء ، واستدلّوا عليه بأنّ الماهيّة باعتبار وجودها ضروريّة الوجود وباعتبار عدمها ضروريّة العدم ؛ وهاتان ضرورتان بشرط المحمول ، والضرورة مناط الغنى عن العلّة والسبب ، والحدوث هو كون وجود الشيء بعد عدمه ، وإن شئت فقل : هو ترتّب إحدى الضرورتين (٢) على الاخرى (٣) ، والضرورة ـ كما عرفت ـ مناط الغنى عن السبب ، فما لم تعتبر الماهيّة بإمكانها لم يرتفع الغنى ولم تتحقّق الحاجة ، ولا تتحقّق الحاجة إلّا بعلّتها ، وليس لها إلّا الإمكان.

حجّة اخرى : الحدوث ـ وهو كون الوجود مسبوقا بالعدم ـ صفة الوجود الخاصّ ، فهو مسبوق بوجود المعلول ، لتقدّم الموصوف على الصفة ، والوجود مسبوق بإيجاد العلّة ، والإيجاد مسبوق بوجوب المعلول ، ووجوبه مسبوق

__________________

ـ إلى العلّة خمسة :

الأوّل : أنّ علّة الحاجة هي الحدوث وحده. وهذا منسوب إلى المتكلّمين.

الثاني : أنّ علّة الحاجة هي الإمكان وحده. وهذا مذهب الحكماء.

الثالث : أنّها هي المركّب منهما ، فعلّة الحاجة هي الإمكان مع الحدوث شطرا. وهذا منسوب إلى أبي الحسين البصريّ ، كما في قواعد المرام : ٤٨ ، وإرشاد الطالبين : ٧٩.

الرابع : أنّ علّة الحاجة هي الإمكان بشرط الحدوث. وهذا منسوب إلى أبي الحسن الأشعريّ ، كما في قواعد المرام : ٤٨.

الخامس : أنّ منشأ الحاجة إلى العلّة كون وجوب الشيء تعلّقيّا متقوّما بغيره ، لا الإمكان ولا الحدوث. وهذا مذهب صدر المتألّهين في الأسفار ٣ : ٢٥٣.

(١) نسبه إليهم في شرح المقاصد ١ : ١٢٧ ، وكشف الفوائد : ٨. ونسبه الشيخ الرئيس إلى ضعفاء المتكلّمين ، في النجاة : ٢١٣. ونسبه اللاهيجيّ إلى قدماء المتكلّمين ، في الشوارق : ٨٩ ـ ٩٠ ، وكذا العلّامة في أنوار الملكوت : ٥٨. ونسبه صدر المتألّهين إلى قوم من المتّسمين بأهل النظر وأولياء التميّز ، في الأسفار ١ : ٢٠٦. ونسبه ابن ميثم إلى أبي هاشم من المتكلّمين ، في قواعد المرام في علم الكلام : ٤٨. فالمراد من قوله : «جمع من المتكلّمين» هو قدماء المتكلّمين ، وأمّا المتأخّرون منهم فذهبوا إلى خلاف ذلك.

(٢) وهي ضرورة الوجود.

(٣) أي : على ضرورة العدم.

۲۸۳۱