المورد المتيقّن من الصّحيحة هو ما إذا كانت الأغسال بأجمعها واجبة ، حيث إنّه مورد التسالم بين الأصحاب ، ولم يستشكلوا في أنّ الغسل الواحد يجزئ عن الجميع حينئذ.

وأمّا إذا كان بعضها واجباً وبعضها مستحبّاً فقد يناقش في التداخل حينئذ باستحالة أن يكون شي‌ء واحد مصداقاً للواجب والمستحب بناءً على استحالة اجتماع الأمر والنّهي ، حيث إنّه من باب المثال ، إذ الأحكام الخمسة بأسرها متضادّة ، فكما أنّ الواجب يضاده الحرام كذلك يضاده الاستحباب والإباحة ، ويضادهما الكراهة والحرمة ، فكيف يعقل مع ذلك أن يكون المستحب واجباً وبالعكس ، فيكون شي‌ء واحد مصداقاً لهما معاً. وأمّا كونه مصداقاً لأحدهما ومسقطاً عن الآخر فهو أمر آخر يأتي فيه الكلام. وبما أنّ البرهان العقلي قام على استحالة كون الغسل الواحد مصداقاً للواجب والمستحب فلا مناص من رفع اليد عن ظهور الصحيحة في جوازه ، لأنّ الظّهور لا يصادم البرهان.

وتندفع هذه المناقشة بأنّه لا مانع من أن يكون شي‌ء واحد مصداقاً للطبيعة الواجبة والمستحبّة وإن قلنا باستحالة اجتماع الأمر والنهي ، بل قد يكون ذلك على طبق القاعدة ، كما إذا كانت النسبة بين المتعلقين عموماً من وجه كالأمر بإكرام العالم والأمر بإكرام الهاشمي ، لأنّ إطلاق كلّ منهما يقتضي جواز الاكتفاء بإكرام العالم الهاشمي ، حيث دلّ أحدهما على وجوب إكرام العالم سواء كان هاشمياً أم لم يكن ، ودلّ الآخر على وجوب (١) إكرام الهاشمي سواء كان عالماً أم لم يكن ، ومعه إذا أكرم العالم الهاشمي حصل بذلك امتثال كلا الأمرين ، وهو على طبق القاعدة ولا استحالة في ذلك عقلاً حتّى يتصرّف بذلك في ظاهر الصّحيحة المقتضية للتداخل عند كون بعض الأغسال واجباً وبعضها مستحبّاً.

والغرض من هذا الجواب أنّ ما ورد في بعض الكلمات من استحالة اجتماع الوجوب والندب في مورد ، ولكنّا نرفع اليد عن ذلك بصحيحة زرارة الدالّة على‌

__________________

(١) الأنسب أن يُقال : استحباب إكرام الهاشمي ....

۴۹۱