والعقاب بل وإسناد الظلم إلى الله تعالى ، لأنه لازم إسناد الأفعال الصادرة عن المكلفين إليه سبحانه ونفي قدرتهم عنها نظير حركة يد المرتعش فلا تأمل في كفرهم ونجاستهم لأنه إبطال للنبوات والتكاليف. وأما إذا لم يلتزموا بها كما لا يلتزمون حيث اعترفوا بالتكاليف والعقاب والثواب بدعوى أنهما لكسب العبد وإن كان فعله خارجاً عن تحت قدرته واختياره واستشهدوا عليه بجملة من الآيات كقوله عزّ من قائل ﴿ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها (١) وقوله ﴿ لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ (٢) وقوله ﴿ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ (٣) وقوله ﴿ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (٤) إلى غير ذلك من الآيات ، فلا يحكم بكفرهم فانّ مجرّد اعتقاد الجبر غير موجب له ولا سيّما بملاحظة ما ورد من أنّ الإسلام هو الاعتراف بالشهادتين (٥) اللّتين عليهما أكثر الناس ، لأنّ لازمه الحكم بطهارة المجبِّرة وإسلامهم لاعترافهم بالشهادتين ، مضافاً إلى استبعاد نجاستهم وكفرهم على كثرتهم ، حيث إنّ القائل بذلك القول هو الأشاعرة وهم أكثر من غيرهم من العامّة. نعم ، عقيدة الجبر من العقائد الباطلة في نفسها.

وأمّا المفوِّضة فحالهم حال المجبِّرة فإنهم إذا التزموا بما يلزم مذهبهم من إعطاء السلطان للعبد في قبال سلطانه تعالى فلا مناص من الحكم بكفرهم ونجاستهم لأنه شرك لا محالة ، وأما إذا لم يلتزموا بلوازم اعتقادهم كما هو الواقع حيث إنهم أرادوا بذلك الفرار عما يلزم المجبّرة من اسناد الظلم إلى الله سبحانه ، لوضوح أنّ العقاب على ما لا يتمكّن منه العبد ظلم قبيح وإن وقعوا في محذور آخر أشدّ من حيث لا يشعرون وهو إيجاد الشريك لله تعالى في سلطانه ، فلا يستلزم اعتقادهم هذا شيئاً من النجاسة والكفر.

__________________

(١) الأنعام ٦ : ١٦٤.

(٢) البقرة ٢ : ٢٨٦.

(٣) البقرة ٢ : ١٣٤.

(٤) الطور ٥٢ : ٢١.

(٥) الوسائل ١ : ١٩ / أبواب مقدمة العبادات ب ١ ح ١٣ ، ١٥ ، ٣٣.

۴۶۳