من الناحية التي وردت لبيانها كما في قوله تعالى ﴿ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ (١) حيث يجوز التمسك في الحكم بجواز أكل ما يصيده الصيود وإن مات قبل دركه ، لأنه ورد لبيان أن إمساكه تذكية للصيد وكأنه استثناء من قوله تعالى ﴿ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ (٢) ولا يسوغ التمسك بإطلاقه من جهة تنجسه بريق فم الكلب أو بنجاسة أُخرى حتى يحكم بجواز أكله من غير غسل لعدم كونه بصدد البيان من هذه الجهة ، وذلك لأن الموثقة سيقت لبيان نجاسة الدم على جميع المحتملات الثلاثة فيصح التمسّك بإطلاقه ، ويكفينا ذلك في الحكم بنجاسته وإن لم يكن في البين دليل آخر ، لأنّ عدم جواز التوضؤ من الماء في مفروض الرواية يكشف عن عدم طهارة الدم المشاهد في منقار الطائر.

بل يمكن أن يقال : إن الشارع جعل الدم في منقاره أمارة كاشفة عن أنه من الدماء النجسة وإلاّ لم يكن وجه للحكم بعدم جواز التوضؤ من الماء ، لأن الدم على قسمين : طاهر ونجس فمن أين علمنا أن الدم في منقار الطائر من القسم النجس ، وحيث إن الشبهة موضوعية فلا بدّ من الحكم بطهارته ، إلاّ أن الشارع جعل وجوده في منقاره أمارة على نجاسته ولو من باب الغلبة ، لأن جوارح الطيور كثيرة الانس بالجيف.

والمتحصِّل أنّ الموثقة تقتضي الحكم بنجاسة الدم مطلقاً ، سواء كان من الدم المسفوح أم من المتخلف في الذبيحة وسواء كان مما له نفس سائلة أم كان من غيره إلاّ أن يقوم دليل على طهارته وخروجه عن إطلاق الموثقة كما يأتي في الدم المتخلف في الذبيحة ودم ما لا نفس له.

ودعوى : أن الرواية تختص بدم الميتة لأنه الذي يتلوث به منقار الطيور الجارحة دون غيره ، غير مسموعة لأنا وإن سلّمنا غلبة ذلك إلاّ أن اختصاصه مسلّم العدم لجواز أن يتلوّث بدم مثل السمك أو غيره مما لا نفس له أو بدم المتخلف في الذبيحة أو الصيد الذي أمسكه الصيود. فالموثقة باقية على إطلاقها ، ولا يمكن حملها على صورة العلم بمنشإ الدم المشاهد في منقار الطيور والحكم بنجاسته فيما إذا علم أنه مما له نفس سائلة أو من الدم المسفوح لأنه حمل لها على مورد نادر ، إذ الغالب عدم العلم بمنشأه‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٤.

(٢) المائدة ٥ : ٣.

۴۶۳