ومفهومها عدم جواز مؤاكلتهم إذا كان من طعامهم أو لم يتوضؤوا ، ومن ذلك يظهر أنّ المنع حينئذ مستند إلى نجاسة طعامهم أو نجاسة أبدانهم العرضية الحاصلة من ملاقاة شي‌ء من الأعيان النجسة كلحم الخنزير وغيره ، إذ الطعام في كلامه عليه‌السلام لا يمكن أن يراد به الجامد منه كالتمر والخبز ونحوهما لأن كل يابس زكي ، وإنما أُريد منه الرطب وهو الطعام المطبوخ غالباً ، وقد تقدّم النهي عن أكل طعامهم المطبوخ في بعض الأخبار ووجّهناه بأحد وجهين فراجع. وكيف كان ، فالصحيحة بصراحتها دلت على طهارة أهل الكتاب بالذات وجواز المؤاكلة معهم في طعام المسلمين إذا توضؤوا إذ لولا طهارتهم لم يكن وجه لجواز مؤاكلتهم سواء توضؤوا أم لم يتوضؤوا ، وعليه فيكون المنع عن المؤاكلة من طعامهم مستنداً إلى نجاستهم العرضية لا محالة.

ومنها : ما رواه زكريا بن إبراهيم قال : « دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت : إني رجل من أهل الكتاب وإني أسلمت وبقي أهلي كلهم على النصرانية وأنا معهم في بيت واحد لم أفارقهم بعد فآكل من طعامهم؟ فقال لي : يأكلون الخنزير؟ فقلت : لا ، ولكنهم يشربون الخمر ، فقال لي : كل معهم واشرب » (١) وهي صريحة الدلالة على طهارتهم بالذات وأن المانع عن مؤاكلتهم ليس إلاّ ابتلاءهم بالنجاسة العرضية الناشئة من أكل لحم الخنزير وغيره ، فاذا لم يأكلوه فلا مانع عن مؤاكلتهم وأما ابتلاؤهم بشرب الخمر فعدم منعه عن المؤاكلة فلعله من جهة أن السائل لم يكن يبتلي بالآنية التي يشربون فيها الخمر ، وأن شارب الخمر لا ينجس في الغالب غير شفتيه وهما تغسلان كل يوم ولا أقل من مرة واحدة فترتفع نجاستهما فلا يكون ابتلاؤهم بشرب الخمر مانعاً من مؤاكلتهم ، أو أن هذه الرواية كغيرها من الأخبار الدالة على طهارة الخمر فلا بد من طرحها أو تأويلها من هذه الجهة بما دلّ على نجاسة الخمر.

ومنها : صحيحة إسماعيل بن جابر قال « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال : لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال : لا تأكله ثم سكت‌

__________________

(١) الوسائل ٢٤ : ٢١١ / أبواب الأطعمة المحرمة ب ٥٤ ح ٥.

۴۶۳