الحديث ـ حسب المتفاهم العرفي إنما ينظر إلى حكم العمل بعد وجوده وأنه هل تجب إعادته أو لا تجب ، وهذا إنما يتصوّر فيما إذا كان المكلف غير متردد في صحة عمله حال الامتثال ، وأما إذا كان عالماً ببطلان عمله حال الإتيان به وجداناً أو بحكم العقل ، كما في المقام لاستقلاله على أن الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية وأنه لليس للمكلف أن يكتفي بما يشك في صحته ، فهو خارج عن مدلول الحديث حسبما يستفيده العرف من مثله ، فمقتضى أدلة بطلان الصلاة في النجس هو الحكم ببطلان صلاة الجاهل المقصر إذا كان متردداً في صحة عمله وفساده حال العمل. هذا مضافاً إلى أن المسألة لا خلاف فيها بل الحكم بالبطلان حينئذ من ضروريات الفقه.

وأما الجاهل المقصّر الذي لا يتردد في صحة عمله حال اشتغاله فهو وإن كان يشمله الحديث في نفسه ، إلاّ أن قيام الإجماع اليقيني على بطلان عمل الجاهل المقصّر في غير الموردين المشهورين في كلماتهم ، أعني التمام في موضع القصر والإجهار في موضع الإخفات وعكسه يمنعنا عن الحكم بعدم وجوب الإعادة عليه.

ثم إن الحكم بوجوب الإعادة على الجاهل المقصّر لا ينافي استحالة تكليف الغافل بشي‌ء ، لأن توجيه الخطاب إلى الغافل وإن كان غير صحيح إلاّ أن مفروض المسألة أن غفلة الجاهل إنما هي ما دام اشتغاله بعمله ، لأنه يشك في صحته وفساده بعد الفراغ ، وبما أنه التفت إلى عمله في أثناء الوقت ولم يحرز فراغ ذمته عما وجب عليه لزمه الخروج عن عهدة ما اشتغلت به ذمته. واستحالة تكليفه بالواقع حال غفلته لا تقتضي الحكم بكون ما أتى به مجزئ ، لأنّ الإجزاء يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه في المقام ، وحيث إنه لم يأت بالواجب الواقعي وجبت عليه إعادته. وأما إذا انكشف الحال في خارج الوقت فهو وإن لم يكن مكلفاً بالصلاة مع الطهارة في الوقت لفرض غفلته في مجموع الوقت ، إلاّ أنه مع ذلك يجب القضاء عليه لأنه يدور مدار صدق الفوت سواء كان هناك تكليف أو لم يكن كما في النائم ونحوه. والمتلخص أن الجاهل المقصر بكلا قسميه خارج عن مدلول الحديث.

وأما إذا صلّى في النجس عن جهل قصوري معذّر فالتحقيق أنه مشمول لحديث لا تعاد ، وبه يخرج عما تقتضيه أدلة بطلان الصلاة في النجس. والذي يمكن أن يكون‌

۴۶۳