دعوى استقرار سيرة المتشرعة على عدم الاجتناب عن مثل الأواني الموضوعة في أماكن الاجتماع أو عن الدور والأبنية والبقاع أو عن الأواني المستعملة في المقاهي وأمثالها ، حيث يعاملون معها معاملة الأشياء الطاهرة بحيث لو تعدى أحد عن الطريقة المتعارفة عندهم بأن اجتنب عن مثل هذه الأُمور معللاً بأن من عمّر الأبنية مثلاً استعمل في عمّارتها الآلات التي لا زال يستعملها في عمّارة الأماكن المتنجسة من غير أن يطهّرها ، أو اجتنب عن مساورة شخص معتذراً بأنه يساور أشخاصاً لا يزالون يدخلون المقاهي والمطاعم ويساورون الكفار ، يطعنه جميع المتشرعة بالوسواس.

ودعوى أن عدم اجتنابهم عن الأشياء المتقدم ذكرها إنما هو مسبب عن العسر والحرج في الاجتناب عنها وغير ناش عن طهارتها ، مندفعة بأن المراد بالعسر والحرج إن كان هو الشخصي منهما ففيه : أنه قد لا يكون الاجتناب عن تلك الأُمور عسراً في حق بعضهم لعدم كونها مورداً لابتلائه كما إذا كان مثرياً متمكناً من تحصيل لوازم الاعاشة من الخبز والجبن واللبن في بيته فلا يكون الاجتناب عنها حرجياً في حقه ، ولازمه الحكم بنجاستها بالإضافة إليه ، مع أن سيرتهم لم تجر على الحكم بنجاستها ولو بالإضافة إلى شخص دون شخص.

وإن أُريد منهما العسر والحرج النوعيان بدعوى أنّ الاجتناب عن الأشياء المذكورة وأمثالها لما كان موجباً للعسر والحرج على أغلب الناس وأكثرهم ، فقد أوجب ذلك الحكم بارتفاع النجاسة ووجوب الاجتناب عن الجميع وإن لم يكن حرجياً في حق بعض ، ففيه : أن ذلك كرّ على ما فر منه لأنه عين الالتزام بعدم تنجيس المتنجسات ، إذ الماء مثلاً إذا جاز شربه وصحّ استعماله في الغسل والوضوء وغيرهما مما يشترط فيه الطهارة وكذا غير الماء من المتنجسات فما ثمرة الحكم بنجاسته؟

وقد ظهر الجواب عن ذلك بما سردناه في الجواب عن الوجه السابق ، وذلك لأن سيرة المتشرعة إنما يتم الاستدلال بها إذا كان المدعى منجسية المتنجس مع الواسطة‌

۴۶۳