المفتي والفقيه حيث يفتي بوجوب شي‌ء أو حرمته حتى يتبعه مقلِّدوه ، وأمّا البيِّنة فليس لها أن تخبر عن الأحكام الكلية بوجه.

وأمّا ثانيهما : فهو وإن كان إخباراً عن الموضوع الخارجي أعني ملاقاة النجس للماء مثلاً ، فلا مناص من أن تتبع فيه البينة وإن كان مدلولاً التزامياً لها ، إلاّ أن البينة إنما تحكي عن ملاقاة الماء للنجس بالالتزام فيما إذا لم يكن بين الشاهد والمشهود عنده خلاف في الأسباب المؤثرة في التنجيس ، كما إذا كان أحدهما مقلداً للآخر أو كانا مقلدين لثالث أو مجتهدين متطابقين في الرأي والنظر وقد بنيا على نجاسة الخمر أو العصير أو على منجسية المتنجس وهكذا ، ولعلّ توافقهما في ذلك هو الأغلب ، لأنّ استقلال الشاهد البيِّنة بما لا يراه المشهود عنده مؤثراً في التنجيس قليل الاتفاق.

وكيف كان ، فإذا لم يكن بينهما خلاف في ذلك فأخبار الشاهد عن نجاسة شي‌ء إخبار التزامي عن ملاقاته النجس أو المتنجس ، لأنه لا معنى للمعلول من غير علة وهو إذا لم يعلم بسبب النجاسة على تفصيله فلا أقل من أنه عالم به على الإجمال لعلمه بأنه لاقى بولاً أو عصيراً أو غيرهما من النجاسات والمتنجسات ، وبما أنه إخبار عن الموضوع الخارجي فلا محالة تتبع فيه البينة ، لأن الأخبار الالتزامي كالإخبار المطابقي حجّة ومانع عن جريان الأصل العملي وهو ظاهر.

وأمّا إذا كان بينهما خلاف في ذلك كما إذا رأى الشاهد البينة نجاسة الخمر أو العصير أو منجسية المتنجس دون المشهود عنده ، وقد أخبره بنجاسة الماء من غير ذكر مستندها واحتملنا استناده في ذلك إلى ما لا يراه المشهود عنده نجساً ، فلا يكون إخباره هذا إخباراً عن ملاقاة الماء مع النجس بالالتزام. نعم ، يدل بالدلالة الالتزامية على تحقّق طبيعي الملاقاة وجامعها المردد بين المؤثر بنظر المشهود عنده وغير المؤثر وظاهر أن الأثر لم يترتب على طبيعيها وإنما هو مترتب على بعض أفراده ، ولم يخبر الشاهد عن تحقق الملاقاة المؤثرة لا بالمطابقة وهو ظاهر ولا بالالتزام.

وبالجملة أن الألفاظ إنما وضعت للدلالة على ما أراد المتكلِّم تفهيمه ، ولا دلالة في كلام الشاهد على أنه قصد تفهيم حصول الملاقاة المؤثرة بنظر المشهود عنده أو‌

۴۶۳