التعليقية من أساسها إنما هو ما قررناه في المباحث الأُصولية ، من أن الأحكام الشرعية لها مرحلتان : مرحلة الجعل ومرحلة المجعول ، والشك في المرحلة الاولى أعني الشك في بقاء جعلها وارتفاعه لا يتحقق إلاّ بالشك في نسخها ، فاذا شككنا في نسخ حكم وبقائه فعلى المسلك المشهور يجري الاستصحاب في بقائه وعدم نسخه ولا يجري على مسلكنا لما حققناه في محله. وأما الشك في الأحكام في المرحلة الثانية وهي مرحلة المجعول فلا يمكن أن يتحقق إلاّ بعد فعليتها بتحقق موضوعاتها في الخارج بما لها من القيود ، فاذا وجد موضوع حكم وقيوده وشككنا في بقائه وارتفاعه بعد فعليته فأيضاً لا كلام في جريان الاستصحاب في بقائه بناء على القول بجريانه في الأحكام الكلية الإلهيّة ولا معنى للشك في بقاء الحكم الشرعي وعدمه في غير هاتين المرحلتين ، وحيث إن الشك في حرمة العصير الزبيبي على تقدير الغليان لم ينشأ عن الشك في نسخها للقطع ببقاء جعلها في الشريعة المقدسة فلا مجرى فيها للاستصحاب بحسب مرحلة الجعل لعدم الشك على الفرض. كما أن الشك في حرمته ليس من الشك في بقاء الحكم بعد فعليته فان العصير العنبي لم يتحقق في الخارج في أي زمان حتى يغلي ويتصف بالحرمة الفعلية ويشك في بقائها فلا يجري الاستصحاب فيها بحسب مرحلة المجعول أيضاً ، وعليه فليس لنا حكم شرعي في هذه الموارد حتى نستصحبه عند الشك في بقائه. نعم ، الذي لنا علم بوجوده بعد ما تحقّق العنب في الخارج وقبل أن يغلي إنما هو الملازمة العقلية بين حرمته وغليانه ، لأنه بعد العلم بتحقّق أحد جزئي الموضوع للحكم بحرمة العصير يتحقق العلم بالملازمة بين حرمته ووجود جزئه الآخر فيقال : إنه بحيث إذا غلى يحرم ، إلاّ أنه حكم عقلي غير قابل للتعبّد ببقائه بالاستصحاب.

الثالثة : هب أنّا بنينا على جريان الاستصحاب في جميع الأحكام الكلية منجّزها ومعلّقها إلاّ أن الأخبار الواردة في المقام كلها أثبتت الحرمة ، وكذا النجاسة على القول بها على عنوان العصير المتخذ من العنب ولم يترتّبا على نفس العنب ولا على أمر آخر ، وظاهر أن الزبيب ليس بعصير حتى يقال إذا شككنا في بقاء حكمه لجفافه وصيرورته زبيباً نستصحب بقاءه ، لأنّ مغايرة العصير والزبيب مما لا يكاد يخفى على‌

۴۶۳