فنكصوا ، ولما علمنا عجزهم عن مجاراته مع تحديه لهم ، وعلمنا لجوءهم إلى المقاومة بالسنان دون اللسان علمنا أن القرآن من نوع المعجز ، وقد جاء به محمد بن عبد الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ مقرونا بدعوى الرسالة فعلمنا أنه رسول الله جاء بالحق وصدق به صلىاللهعليهوآله (١).
(١) ينبغي هنا ذكر امور :
أحدها : أن الإعجاز في اللغة بمعنى فعل أمر يعجز الناس عن الإتيان بمثله ، وفي الاصطلاح كما هو في تجريد الاعتقاد : ثبوت ما ليس بمعتاد ، أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوى (١).
قال الفاضل الشعراني في شرح العبارة : «أن المراد من ذكر خرق العادة هو اخراج نوادر الطبيعة كالطفل الذي له ثلاثة أرجل ، فإن النوادر وإن كانت خلاف المعتاد ولكنها موافقة للعادة في الجملة ، إذ قد يتفق وقوعها ، هذا بخلاف المعجزات ، فإنها مما لم يتفق وقوعها في الطبيعة ، وإنما أوجدها الله تعالى تصديقا للنبي ، فالمعجزة ثبوت ما ليس بمعتاد مع خرق العادة كصيرورة عصا موسى ثعبانا ، أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة كعجز شجاع في حال شجاعته وسلامته عن رفع سيف مثلا ، فإنهما مما لا يتفق عادة كما لا يخفى» (٢).
ثم إن المراد من مطابقة الدعوى ، هو أن اطلاق الاعجاز بحسب الاصطلاح فيما إذا وقع خارق العادة عقيب دعوى النبي بعنوان شاهد صدق لدعواه ، وإلّا فإن لم يكن له دعوى أصلا فلا اعجاز ، نحو ما يظهر من الأولياء من دون دعوى للنبوة أو الإمامة ، فإنه كرامة أو ارهاص ولذا اشترطوا في اطلاق الاعجاز
__________________
(١) راجع تجريد الاعتقاد : ص ٣٥٠ الطبعة الحديثة.
(٢) ترجمة وشرح تجريد الاعتقاد : ص ٤٤٨.