للعادة ، فيعلم أن صاحبها فوق مستوى البشر بما له من ذلك الاتصال الروحي بمدبر الكائنات.
وإذا تم ذلك لشخص من ظهور المعجز الخارق للعادة ، وادعى مع ذلك النبوة والرسالة ، يكون حينئذ موضعا لتصديق الناس بدعواه ، والايمان برسالته ، والخضوع لقوله وأمره ، فيؤمن به من يؤمن ويكفر به من يكفر.
ولأجل هذا وجدنا أن معجزة كل نبي تناسب ما يشتهر في عصره من العلوم والفنون ، فكانت معجزة موسى ـ عليهالسلام ـ هي العصا التي تلقف السحر وما يأفكون ، إذ كان السحر في عصره فنا شائعا ، فلما جاءت العصا بطل ما كانوا يعملون ، وعلموا أنها فوق مقدورهم ، وأعلى من فنهم ، وأنها مما يعجز عن مثله البشر ويتضاءل عندها الفن والعلم ، وكذلك كانت معجزة عيسى ـ عليهالسلام ـ وهي ابراء الأكمه والأبرص ، وإحياء الموتى ، إذ جاءت في وقت كان فن الطب هو السائد بين الناس ، وفيه علماء وأطباء لهم المكانة العليا فعجز علمهم عن مجاراة ما جاء به عيسى عليهالسلام.
ومعجزة نبينا الخالدة هي القرآن الكريم ، المعجز ببلاغته وفصاحته في وقت كان فن البلاغة معروفا ، وكان البلغاء هم المقدمون عند الناس ، بحسن بيانهم وسمو فصاحتهم فجاء القرآن كالصاعقة ، أذلهم وأدهشهم وأفحمهم ، إنهم لا قبل لهم به فخنعوا له مهطعين عند ما عجزوا عن مجاراته وقصروا عن اللحاق بغباره ويدل على عجزهم أنه تحداهم باتيان عشر سور مثله ، فلم يقدروا ، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله